سعدي عباس العبد - فتى المســاءات

لاح شعرها في المرأة كشلال اسود ! ينهمر على كتفيها وينزلق على جانبي وجهها الذي بدأ في المرأة مغمورا بنور فاتر يسيل لا معا كلما دنت ناحيته فتلوح في المرأة كأنما تنأى او تنطفئ في فراغ غائم مشرع على سماء متلفعة بوشاح داخن !! كان قابعا قبالة المرآة كانه تمثال شمعي يحدق منذ عشرات السنين كانت سحنته المتيبسة تدخل بقوة في مساحة الضوء المندلق من المصباح في اعلى الجدار المضاد فيضيء الملامح القاتمة المطلوبة داخل المرآة بوهج مخيف سرعان ما يعيد لذاكرته ذلك الوميض البري المتوهج المنسفح من فضاءات دبقة نائية لم تخرج زوجته من المرآة كانت ساطعة في الضوء الباهر وهي تخترق الفراغ المتشكل وراء ظهر الجندي كانها تترقب انهيارا سيطيح برأسها المتألق في النور المتجمد عند الحافات المتجهمة لوجه الجندي تمتد يدها عبر الفراغ المضيء فتمس باطراف اصابعها البيض الطويلة جانبا من كتفه كأنها تتفادى ذوبان شكله الشمعي او تخشى ان يسيل هو برمته على ذراعها العارية فاجتازت مساحة الكتف كما لو تعبر حاجزا زخوا بانا ملها التي هبطت تتسلق صدره المشعر تتلمس الشعيرات النافرة المغروزة وسط ثدييه الضامرين لم يخرج عن صمته المتوتر المغلق رأسه معلق في المرآة كالجثث التي يركها خلفه في البرية البعيده تتحلل في العراء تحت سماء غائمة مشربة بغبار ينسفح في الريح محلقا فوق الجثث المبعثرة المتزايدة باطراد والتي تتلاشى باستمرار في ضباب ملتهب ايضيق برائحتها فيجهد للبحث عن ملاذات فلم يختفي في المسافات المرعبة كان يجري في الظلام عكس اتجاه النار يتعقبه مئات الجنود كقطيع كلاب مذعورة تعوي في ليل مهول في برية موحشة ولكنهم كانوا يعبرون تحت سماء محايدة لم يترك سوى رائحة دخان مشوبة بذكريات مازالت تشع رائحتها في المرآة تهب لاذعة من ذلك العمق البري فتغلق فمه بسدود من السكوت والرماد فتطوف على شفتيه ابتسامة فاترة معوجة تتضخم في المرآة فترفع زوجته راسها وهي ماتزال تستند الى كتفه فتلوح خدودها الموردة تلمع في الضوء فخيل اليه انه لم يرها قبلا او نسي انهار زوجته فيشيح بوجهه فيتوه في النحار المشع عبر النافذة المشرعة فبقي وجهها وحده عالقا في فضاء مستطيل بحجم المرأة فبدت كأنها تتملى مخلوقا اخر لايشبهها مخلوق التفت في وقت ما فلم ير احدا سوى طيف الجندي الغائب يتراءى في البعيد متسربلا بالغبار لم تشم غير رائحة معرشة في السرير تفوح كنباتات برية يابسة نظرت في ذات المرآة في وقت ما امعنت في ثدييها العريين المكتنزين فبان بيضهما يسل كالضوء وينسفح اسفل سرتها فتمسد بطنها اللينة براحة يدها وتمرر اطراف اصابعها على فخذيها الضخمين فتشعر بماء الرغبة اللزج يجري فتبتعد فتتلاشى في المرأة فتظهر اكثر لمعانا تحت شلالات ساطعة من ضوء المصباح فيشتد هياجها فارتطم خيالها بطيف الجار الوسيم فبان كل شيء واضحاً لم تنس بالطبع ان تشرع في كل المساءات المتاخرة بفتح الباب انها تفعل ذلك كل مساء يكون فيه الجندي يحلق بعيداً يخفق في الريح الداخنة او في ذاكرتها او مترسبا كالغبار في طيات البذلة المدلاة عند الركن القصي من الغرفة الذي لا ينفذ اليه الضوء تستكين تحت قدمي البذلة الفارغتين المحشوتين بالظلام والغبار والسكون افاع ضخمة تلتف اسفل جذوع اشجار ماثلة وسط سجادة مفروشة اسفل الجدار قبالة السرير المتاجج بجذوة جسد الفتى الملتهبة بالرغبة الحارة المتوهجة في عينيه المحدقتين في الافاعي المشرئبة اعناقها والمتطلعة لجذع المرأة العاري الناز قطرات لامعة بلورية تنزلق تحت ذراع الفتى الملساء الملتفة كافعى على عنق المرأة ووجهها الغاطس في ليونة المخدة كانت احدى الافاعي المشدود طرفها البعيد لغصن رخو ثابت في تارجحه ترنو متوثبة وكانها ستهبط فوق السرير كحبل سيدور مرات عدة على رقبة المراة بيد انها لم تعبء لذلك الهبوط الوشيك كانت تغوص في مجرى من لزوجة تلتصق بروصها التي امسكت عن ملامسة احلام الجندي المهشمة منذ انغمارها في الظلال التي خلفها جذع الفتى تنسفح على الفراش او منذ سماعها لذلك الصهيل الجامح المتدفق من اعماق جفنها الظمأ لامد عصيب سارعت للانزلاق في المجرى الصاهل تعوم في الماء اللزج طافية مثل افعى تحاصر جسدها فراغات خضر فتغمض عينيها فترى الجندي او زوجها محجوزاً في ظلام عطن تلمح طيفه في المدى القاتم يتسلق خرابا ينمو في فضاء مقفر كان الجندي العائد مساء البارحة ما يزال قابعا قبالة المراة التي بدت لعينيه كسماء رمادية عريضة مشوبة بدخان يتصاعد باستمرار متاجج كاسياخ متوهجة يخترق المراة او السماء التي بحجم المراة ويتسرب عبر شقوق جعلت تشطر الزجاج او السماء المضيئة لاجزاء متداخلة فتمتلأ الغرفة بالدخان الذي شرع يتمدد تحت السقف فتلوح لعينيه المراة الفارغة في ضباب فيشرع بالانصات لانينها كانها تبحث عن احد ما افتقدته مساء البارحة في حين بقي هو يرى الى وجهها المغمور بالدخان قبل ان يلمح بريق عينيها يشع في المراة كان الدخان تلاشى فبدت متوهجة في الزجاج كانت ما تزال تضغط برفق عبر اناملها اللدنة على كتفه الرخو عندما قالت وكانها تجهش في غصات متعاقبة كم كان مساء البارحة موحشا كان توقي اليك قويا ولكنك لم تدعني اتدف بحرارة قلبك كنت مضطربا كانك تخشى شيئا ما قال الجندي : كنت اتفتت هناك كل مساء اتحلل في ظلام رطب كاني اتعفن في قبر قالت بنبرة محايدة خفيضة : كانت رائحة دخان نفاذة تفوح من بدنك كرائحة قلب ميت تتصاعد من ضلوعك وسحنتك المتيبسة وذراعيك المنسابتين تحت اللحاف كغصنين رخوين كما لو تتهيأ للانحدار الى هاوية ثم عوى صوت مخيف تدفق من اعماقه في حين مكثت المرآة واقفة فوق رأسه ترى الى المراة فيتراءى لعينيها عبر الزجاج طيف فتى المساءات .



* عن الصباح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى