أحمد سعيد - ومضت.. ومضت - قصة

كانت هنا، كما كان كل شئ، رحلت باسطة خلفها ظلام، رحلت كما الغسق، لم يسبقها احد فيمن سبق، كانت ذات ألق، لم يذق القل حزناً مذ لرتمى فيها وعشق، تطل ذكراها في قلبي ليلاً فيلبي نداءها الأرق، حبيبتي وسط رتابة المخلوقات كانت فيض من شبق، كانت روحاً ودبت بروحي، كانت نسيماً نسم قلبي، كانت ربيعاً تربّع بعرشي، لكن حين إحتال على الحول ولّى الربيع وهمدت روحي، وتمكن للحزن الأمر، فإستباح كل ماكان محظور، وزرع الوجد في الصدور، وصار القيمة والقامة، واستحالت كل الأشياء، وأصبحت منه بها علامة، ورأيت نفسي كما لم أكن أراها; روحاً مهصورة على ناصية نفس مصهورة، اما ما كان من ذكرى بمكان أو أحلام شاغبت الزمان، أو غيرها من تلك الأشياء التي يخجل ان يطمرها النسيان لازالت بقلبي أوتادها، لكنها صارت هباء منثوراً، أما انا فصرت ملوماً محسوراً.

هل هناك تعاسة اكثر من ان تتعلق بومضة ذلك الضياء الذي يفجؤك لثوان فيحجب بصرك من فرطه ثم يخبو دون استئذان، ومضة تُبهِرك وتٌسكِرك ثم تُنكِرك، كانت حِلماً وكُنت حِملاً، لذلك ومضت ومضت، ومضت ومضت بقلب هادئ هانئ وقلبي واهِمْ واهِنْ،ومضت ومضت كطيف تسرب لروحي فترسب، ومضت فأسرني هذا الوميض، وطهرني من البغيض، ومضت دون وداع يُذكر، وكيف للفراق ان يٌغفر، ان جاز للبعض اعتبار ان التعلق بومضة جنون، فالجنون في رأيي ان أدنوها ولا أرنوها، ولذلك دوناً عني انجذبت لها، الطبيعي ان ابصر تائه نوراً سيتبعه حتى وان علم انه اصلاً سراب عله يحمِل أملاً، وعلى الرغم من الألم ان عاد بيّ العمر لذلك الخريف حين ومضت، سأنبهر ثانية، سأنبهِر واُسبِر اغوار عالم لم أكن لأدرك مدى روعته ان اشحت بصري واغلقت عيني ابان وميضها، الأمل الأن في هناء من رحِم العناء، أو مدد يزيح الكمد، او صبر حتى القبر ..


أحمد سعيد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى