صفاء ذياب - أحلام مؤجَّلة

في قراءتنا للسير الشعبية العربية، نكتشف أن أغلب أحداثها تدور في أزمنة مفتوحة وهلامية، كما في سيرة الملك سيف بن ذي يزن. هذه الأزمنة تمكّنك من الاشتغال على بنى جديدة تتداخل فيها الحكايات والقصص، فتستدعي شخصيات قديمة، وتدمج أخرى حديثة، من أجل الخروج بنظام مختلف في البنيات الحكائية.
عدد من الباحثين يرون أن هذه السير دوِّنت من أجل الخروج من واقع هشٍّ ومربك ومرير، فعندما تجعل من الملك سيف بطلاً يعمل الخضر لخدمته، ويتفق جميع الأنبياء على حفظ ذخائرهم له من أجل استعمالها في محاربة أعدائه، ويُسخَّر له الإنس والجان من أجل إكمال مهمته التي يُعرَّف بها منذ بداية القصة، تكتشف أن كل ما في هذه السيرة وغيرها، مبنية على أساس الحلم الذي نام هذا الشعب أو ذاك، من أجل تحقيقه من دون أن يستيقظ.

عجائبيات
في الاستيقاظ حقائق مرَّة، وربما لم يُتداول حديث وينسب لأكثر من شخصية مثل (الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا)، فهذا يرجعنا لأكثر من منحى مبني على الحلم. عندما كتبت سيرة الملك سيف في القرن الرابع عشر، حسب ما يرى بعض الباحثين، كان الحكواتية يشتغلون في مقاومة الاحتلالات المستمرة من خلال خلق هذه الشخصية وإضافة عجائبيات وخوارقيات عليها، وكأنها رجل خارق يمكن أن يحقق أحلام الناس البسطاء، والقانطين من الحصول على حياة مستقرة على أقل تقدير. لكن أحلامنا لا تستطيع خلق شخصيات كهذه، فلا الزمن هلامي، ولا العقل يسمح بهذه الفسحة من التأمُّل في خلق حياة على هامش حياتنا القائمة. كل ما يفعله الحلم هو أن يجعلنا نقص الحكايات، ونكتب الشعر، ونسكب ألواننا دون مبالاة على قماشة اللوحة المرمية أرضاً.. هذه هي أحلامنا التي نستطيع من خلالها التنفس، فلا شخص خارقاً، ولا مكان عجائبياً، ولا أدوات تسحر من ينظر إليها.

حكواتية جدد
عندما نقرأ بعض الروايات العراقية الحديثة، نكتشف أنها عادت للاستناد إلى أزمان غير محددة، وأماكن غير معروفة، بهذا يتمكّن الكاتب من خلق ما يراه مناسباً في البناء الروائي، وربما يعيش فعلاً في أحداثه التي يصنعها هرباً من واقع أكثر مرارة من القرن الرابع عشر، حيث كان الناس هائمين في الواقعية السحرية، دون أن يعرفوها، ودون أن ينتظروا غابريل غارسيا ماركيز لاكتشاف عوالمها.. إنها عوالم خلقوها، وعاشوا فيها، وصدقوها، وأرسلوها إلينا كسير شعبية. فهل نعيد ما يحدث من خلال الحلم، الرواية، الشعر، الرسم؟ ربما نحن بحاجة لحكواتية جدد لنكتشف من خلالهم أحلامنا المؤجلة دائماً.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى