ديوان الغائبين ديوان الغائبين : - مبارك جلواح - الجزائر - 1908 - 1943

مبارك بن محمد جلواح العباسي.
ولد في قلعة بني عباس (منطقة سطيف - الجزائر) - وكان لا يزال في اكتمال شبابه حين توفي في باريس.
عاش في الجزائر والمغرب وفرنسا.
قرأ القرآن الكريم على والده، ودرس على يديه العلوم الدينية واللغوية، غير أن والده كان كثير الترحال لعمله بالتجارة.
أُجبر على الالتحاق بالجيش الفرنسي لأداء خدمته العسكرية في المغرب (1928) فأتيح له الاطلاع على كثير من العلوم بمساعدة ضابط مغربي، كما أنه اتصل بابن باديس ودرس على يديه (كما تشير بعض المصادر).
بعد انتهاء خدمته العسكرية انضم إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأرسل إلى فرنسا للترويج لمبادئها والتعريف بقضايا وطنه، ثم ألحق بالخدمة العسكرية مرة ثانية (1939) في الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهاء خدمته (1941) عاد إلى باريس طواعية، وظل بها حتى وفاته غريقًا في نهر السين، وثمة شكوك حول أسباب غرقه.
أشرف على أنشطة جمعية التهذيب التي تأسست بفرنسا (1936)، إضافة لمسؤولياته وعضويته في جمعية العلماء الجزائريين، كما أنه كان كاتبًا عامًا للقلم
العربي بجمعية «أخوة أقبو» بفرنسا.

الإنتاج الشعري:
- له قصائد في كتاب «الشاعر جلواح من التمرد إلى الانتحار»، وأخرى نشرتها صحف عصره، خاصة جريدة الأمة، ومجلة الشهاب، وجريدة الإصلاح ببسكرة، وجريدة البصائر في أعداد مختلفة، بين 1935، 1940، وله ديوان (مخطوط) بعنوان: «دخان اليأس»، يضم حوالي ستين قصيدة.

الأعمال الأخرى:
- له مقالات أدبية نشرتها جريدة الأمة بالجزائر، منها: البلبل المقنوص - (ع112) - 1937، بين الشلف والرحيل - (ع 117) - 1937.
يلتزم شعره الوزن والقافية، ويتنوع بين التعبير عن النفس الإنسانية وآلامها، وقضايا وطنه خاصة الاستعمار الفرنسي للجزائر. في شعره ميل إلى الحزن،
ومزجٌ بين التجربة الذاتية والقضايا العامة، وتمثل للحكمة ورصد خبرات الحياة، وفيه نزعة خطابية، وسرد قصصي يصور فيه حال الإنسان المسلم في الغربة. وبعض قصائده تنتمي إلى الاتجاه الوجداني في الاقتراب من الطبيعة ومحاورتها، وقد يبدو أثر من محاكاة أحمد شوقي في بائيته الأندلسية - في قصيدته «بعد النوى».

مصادر الدراسة:
1 - أبوالقاسم سعدالله: تاريخ الجزائر الثقافي - دار الغرب الإسلامي - بيروت 1998.
2 - صالح خرفي: الشعر الجزائري الحديث - المؤسسة الوطنية للكتاب - الجزائر 1984.
3 - عبدالله ركيبي: الشاعر جلواح من التمرد إلى الانتحار - المؤسسة الوطنية للكتاب - الجزائر 1986.
4 - ماجد الحكواتي وعدنان بلبل الجابر (إعداد): مختارات من الشعر العربي في القرن العشرين - مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري (جـ2) - الكويت 2001.
5 - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث، اتجاهاته وخصائصه الفنية 1925: 1975 - دار الغرب الإسلامي - بيروت 1985.


زفرة منتحر على ضفة السين

يـا سـيـنُ جئتُكَ فـي ذا اللـيل مـلـتــمسًا
بعُرضِ لُـجِّكَ إخمـادًا لأنفـاســـــــــــــي
خلِّ القِلى جـانـبًا وابسطْ إلى كبـــــــــدٍ
حـرَّى وقـلـبٍ مُعَنَّى راحةَ الآســــــــــــي
فإننـي لا أرى فـي غـيرِ مـائكَ مــــــــا
بـه تُطهِّرُ أوضـاري وأرجـاســــــــــــــي
ولا أرى فـي سـوى تلك الـمـوائجِ مــــــن
حِمًى بـه احتـمـي مـن دهـريَ القـاســــــي
قـد رام ذُلاً لرأسـي فـي الــــــورى ومتى
صـفـا الـبَقـا للفتى فـــــــي ذلَّةِ الراس
ورام أنْ أكُ وغدًا فـي الرجـــــــــال وهل
يـا سـيـنُ يرضى بذا قـومـيَ أو نـاســــي؟
لا لا ومـجـدِك لا أرضى الهـوانَ ولــــــو
رضـيـتُ قبـلاً بإمـــــــــــــلاقٍ وإفلاس
فابسطْ بـهـذي الـديـاجـي الـحـالكـاتِ يـدًا
عذراءَ تـنقذنـي مـن بُرثُن الـيـــــــــاس
واحذرْ بأن تستقـي تلك العزيـزةُ مـــــــا
سقـيـتهُ فـيك للـمقـدورِ مـن كـــــــــاس
إنـي لأرجـو بأن تسقـي بـمدمعِهـــــــــا
بعضَ الزهـور وتُذْريـهـا بأرمـاســـــــــي
إذ إن فـي ذاك للروحِ الـحـزيـــــــنةِ مِن
بعـد اغتـرابـيَ عـنهـا كلَّ إيـنــــــــاس
وقـلْ لـمـن زار هـذا القبرَ مـلـتـــــمسًا
عـلـمًا بِخطْبـيَ مـن ذي الفضل فـي النـــاس
عزاؤُكـم يـا كرامٌ أن صـاحـبَكـــــــــــم
قضَى ضحـيَّةَ إخلاصٍ وإحســـــــــــــــــاس



***


عبرة الأسف

لا تـنسَ أنّا بأفق الغرب فـي قـــــــــلقِ
يبـدو بـه كلُّ نجـمٍ غــــــــــــيرَ مؤتلقِ
وإن نضـا الفجـرُ فـي الخضراءِ صــــــارمَه
ألفـيـتَ كلَّ شهـابٍ ذاب مــــــــــــن فَرَق
وأيُّ نجـمٍ تـرى دامتْ سعــــــــــــــادتُه
مـن بعـد مـا حـلَّ مـن ذا الغربِ فـــي أفق
إن السعـادة كأسٌ أنـت شـاربـهــــــــــا
فـي ظِلِّ غفلةِ سمعِ الـدهـر والـــــــــحدق
وإن كأسـي الـتـي جـاد الكريـم بـهـــــا
شـربتُهـا كلَّهـا فـي لــــــــــيلة النَّزَق
فـي لـيلةٍ كلُّ عـيـنٍ للزمـان بـهــــــــا
وَسْنى حـيـالـي وعـيـنُ الـيُمْنِ فـــــي أرق
وبـيـن أفـيـاءِ شمـلٍ كـنـت أحسَبــــــــه
عـلى مدى الـدهـر حـولـي غـيرَ مفتـــــرق
حتى تبسَّم مـن هُزْءٍ بنـاصـيـتــــــــــــي
للشـيبِ ذاك اللَّمـى فـــــــــي ذلك الفَلَق
ألفـيـتُ نفسـيَ فـي صحـراءَ قـاحــــــــلةٍ
ممزَّقَ القـلـب بـيـن الشجْوِ والقــــــــلق
مـصـفَّدًا بـيـدِ الـذكرى تقـلِّبُنــــــــــي
عـلى لظى الـبـيـن أيـدي العُدْمِ والـمــلَق
مـجـرَّدَ الـذات ممـا كـان يرفعُهـــــــــا
مـن روعةِ الخَلْقِ أو مـــــــــن عزَّةٍ الخُلُق
إخـال تحت ثـيـابٍ ذاب عـــــــــــن جسدي
خـيـالَ بــــــــــــــــالٍ بكفٍّ أغبرٍ خَلَق
فلـم أجـدْ بعـد تلك الكأس لـيَ ولـــــــو
كأسًا مـن الصـاب قـد أشفـي بـهـا حُرَقـــي
ولا أنـيسًا ولا ظلاً ألـوذ بــــــــــــه
مـن بعـد فقـدي لـتلك الـوُرْقِ والـــــوََرق
وأيُّ كأسٍ تسـرُّ النفسَ شَهْدَتُهــــــــــــــا
كـمـثل كأس الهـوى فــــــــي هدأَةِ الغسق
وأي ذي عِشْرةٍ تُسلــــــــــــــــيك زورتُه
كـمـثل وَحْيِ الأمـانـي الـحـــــاذقِ اللَّبِق
وأي ظلٍّ تُواســـــــــــــــي الروحَ راحتُه
مـن بعـد ظِلِّ الشبـابِ العـــــــاطرِ العَبِق


مبارك جلواح.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى