الجنس في الثقافة العربية الجنس في الثقافة العربية : نوارة لحرش - الجنس في الروايات العربية.. مفردة حياة أم تنفيس عن مكبوتات ( استطلاع )

يظل الجنس في الروايات كما في الحياة يثير الكثير من الجدل والنقاشات الحادة أحيانا والمتباينة في الغالب، يظل أيضا قيمة من قيم الحياة البشرية،وهو موجود ومتواصل في الحياة وبالحياة، لكن كيف يتم توظيفه في المتون السردية العربية؟ وهل توظيفه يتم حسب السياق الفني والموضوعاتي على اختلاف مستوياته،أم بإقحامات وإبتذالات بعيدة عن ما يتطلبه المتن في خصوصه وعمومه وهمومه وسياقاته. ترى كيف هو الجنس في الروايات العربية ،هل هو ضرورة لها ، هل هو تيمة لها أو متنفس مقترح كبديل تعويضي عن حرمانات ومكبوتات ما؟، كيف يراه أهل الأدب والسرد من الكتاب والكاتبات. هذا ما سنعرفه ونفهمه من خلال أراء البعض منهم وكلٌ من منطلقه الذي يراه مناسبا.




الدكتور عبد الله بن أحمد الفَيفي/شاعر وناقد سعودي

تنفيس عن مكبوتات

إنكار ضرورة التعامل مع (الدِّين والجنس) في الرواية يعني إنكار مكوّنات ضرورية في حياة الإنسان والمجتمع، والقفز على هذا ضرب من تجاهل الواقع. غير أن إنكار الحَذَر في التعامل مع هذين المكوّنين يعني في المقابل تدمير الذات والآخر، بلا رويّة ولا حكمة. ولا شكّ أن مشكلتنا في هذا الميدان تظلّ تلك الثنائيّات،التي يرفع كلٌّ شعارَ لافتاته من خلالها،ليقف تحتها. فلكي لا نقول بإرضاء المجتمع التقليدي، فلنقل بإرضاء الذات، أو شريحة ما من المجتمع، أو تيار، أو إرضاء السوق الشرائي، العاطفي والغريزي. وبين هذين الجانبَين تترنّح الثقافة دون منهجٍ قويم، ولا نوايا جادّة نحو الإصلاح، ولكن بعواطف ثأريّة، متعصّبة، متناقضة. وفي الشأن الروائيّ تقفز اليوم أسئلة تفرضها الموجة الأيديولوجيّة، اللا أخلاقيّة، التي تتبنّى خطًّا تصادميًّا، مراهقًا، مع المجتمع في أعمالها، فتخرج علينا بمثابة "بيانات صحفيّة متشنّجة" ضدّ المجتمع ومؤسّساته، فلا هي تُضيف إلى الفنّ الروائي، ولا هي تُعالج قضايا الإنسان والحياة، ولا تؤدّي إلى أيّ هدفٍ نوعيّ، أدبيٍّ أو اجتماعيٍّ، وإنما هي بمثابة تنفيسٍ عن مكبوتات- قد تكون شخصيّة- من جهة، ومتاجرة إعلاميّة وماليّة، باسم النهضة الروائيّة، من كلّ الجهات. ولعلّ أهمّ تلك الأسئلة:- هل النموذج الروائي نموذجٌ شرّيرٌ منحطٌّ، بالضرورة؟ ذلك أنه حينما يواجَه كاتب بأن نماذجه- التي يسمّيها إنسانيّة- تنصبّ على نماذج قبيحة، وربما مشوّهة عمدًا، وأنها تُشيع القبح في النفوس، والفاحشة بين الناس، وتُحبّب إليهم الجريمة والرذيلة، بدل أن تنفّرهم منها، وتطبّع الناشئة على تقبّل تلك النماذج البشريّة، وتهوين آثامها عليهم، والتسليم بسلوكيّاتها، وربما دفعتهم إلى محاكاتها، يقول لك كاتبنا: هذا هو الواقع المسكوت عنه، ولستُ مصلِحًا اجتماعيًّا! وهو هنا يراوغك ليدافع عن بضاعته، من جانب، ولكي يكذب على المتلقّي من جانب آخر؛ بإيهامه بأنه إنما يعرّي تلك النماذج وينتقدها، ولا يبشّر بها، ويسوّغها في الذوق العامّ! ولكن يبقى السؤال: لماذا التركيز على تلك الشخصيّات المريضة وحدها؟ لماذا الانتقائيّة، ما دام الكاتب يصوّر الحياة والواقع بشموليّته كما يزعم؟. إن الاختيار وافد العقل والذوق! ألا يوجد الغِنَى النفسي والاجتماعي إلاّ في تلك النفوس المريضة؟ كلاّ! وليس هناك روائيّ حقيقيّ كبير إلاّ ويصوّر مختلف الشخصيّات، وبحياد، ولأهداف ضمنيّة. لكن تلك إجابة كاتب صغير، مربوط في مِذْوَد أيديولوجي ما، أو في هوى تجاريّ ما (أيضًا)، بلا موهبة تؤهّله لذلك المخاض الإنساني، ولا فكر يُقيله عن تلك الإجابات المعوقة.

-وهل وظيفة الفنّ التهذيب والإصلاح؟. حتمًا وظيفة الفنّ التهذيب والإصلاح. أم تُرى وظيفته التقبيح والإفساد؟ولكن لا ننسى هنا أن الكُتّاب بشر، فمنهم أنفسهم مرضى نفسيّون،ومنحرفون أخلاقيًّا، ومجرمون أدبيًّا! فلماذا نفترض أن كُتّاب الرواية متجرّدون ممّا يكتبون من أمراض؟ لا ينفصل النصّ عن شخصيّة الناصّ، الذهنيّة والنفسيّة، بشكل مطلق. نعم، قد لا يعبّر عنها مباشرة، لكن الكاتب مخبوء في ما كتبتْ يداه، شاء أم أبى، برغباته، والتذاذاته، وعُقَده النفسيّة والاجتماعيّة. ومن ثَمّ تأتي مسؤوليّة الكاتب، التي لا تنصّل له منها، والتنصّل إثم إضافيّ. لأجل هذا فإن أيّ فنّ لا يسعى إلى التهذيب والإصلاح- بطريقته الفنيّة لا بطريقةٍ وعظيّة مباشرة- هو عدوان أخلاقيّ على المجتمع، ويجب أن يحاسَب مقترفه ويعاقب قانونيًّا، كأيّ مرتكب جنحة تقع تحت طائلة القانون. من حيث إن فكرة الأدبيّة المغلوطة لا تحمي هؤلاء المغلوطين بحال من الأحوال، تحت ذريعة الحريّة أو التعبير، فالحريّة معروفة، والتعبير مفهوم، والأدب معلوم، وليست تلك العبارات بشمّاعات مقبولة لتُلقَى عليها تفاهات النفوس، وأمراض العقول، وعَتَه الأقلام الرخيصة، وفحيح الغرائز المسعورة.

-ما رسالة الفنّ، إذن؟ وهل تتناقض جماليّةُ الفنّ مع الأخلاق؟.

تلك هي رسالة الفنّ: تربية الذوق، وتبصير الإنسان، لا إفساد ذوقه وإغواؤه. وفي هذا السياق يحضرني قول (محمّد قطب)،العقلانيّ الجميل، في كتابه "منهج التربية الإسلاميّة": "إن الإسلام لا يُحرّم الفنّ، ولا يُحرّم وصف المشاعر الجنسيّة- نظيفة أو غير نظيفة- ولا يُحرّم وصف لحظة الهبوط والضعف،ولكنه يعرضها كما ينبغي أن تُعرض،(لحظة ضعفٍ لا لحظة بطولة)، ولحظة عابرةً يُفيق منها الإنسان إلى ترفّعه الواجب، ولا يلبثُ دائرًا في حلقتها المرتكسة على الدوام".

على أن النقد الأدبيّ الحقيقي قد تخلّى بدوره اليوم عن كثير من رسالته، الفنيّة والأخلاقيّة، فترجّل عن أن يكون معياريًّا، ثم ها هو ذا يتنازل أيضًا عن أن يكون نقديًّا أصلاً، بل أضحى ثُلَلِيًّا، متعصّبًا، أو مجامِلاً، يقول- كالشاعر القديم- متى شرب، أو رغب، أو طرب (فكريًّا/ اجتماعيًّا/ أيديولوجيًّا، لا فنيًّا بالضرورة)!


ميس العثمان / كاتبة وروائية كويتية

الإباحية أو الجنس

هناك توجه واضح، لعدد من الكاتبات/ الكتّاب العرب،لاعتماد "الإثارة" في كتاباتهم والترويج لنصوصهم عن طريق "الإباحية" بدءً من العناوين اللافتة جدا، مروراً بلوحات الغلاف وانتهاء ً بالنص السردي،وأرى أن لكل أسبابه الخاصة، فهناك من يطمع بتغليف "مستوى نصه المتدني" بـ"شيء آخر مثير" يلفت الانتباه إليه ومنهم من يطمح بترويج اسمه/نصه/كتابه، عبر هكذا كتابات، وهناك من "يحشر" الإباحية حشراً لا مسؤولاً كي يشار إليه بالكاتب الجريء وبهذا يكتسب شهرته،، بينما أرى أن الإثارة قد تكون "ضرورة" إذا ما استدعت أحداث القصة بعض العبارات الخادمة للنص السردي دون تجاوز أخلاقي، فهناك خيط رفيع ما بين الإبداع والإباحية الفجة، وهناك "ترميز" متاح للاستخدام إذا ما تعامل الكاتب مع القارئ بشكل ذكي دون أن يخدش البياض فيه، نعم هناك كثيرات من الكاتبات تحديدا من تلجأ لهكذا أساليب فيها من "الرخص" الشيء الكثير، لأن المبدع "الحقيقي" لا يحتاج إلى كل هذه الإثارة، بل يجب أن يعتمد على لغته الجميلة والحبكة المتماسكة والطرح الإنساني العميق، الذي يفتح آفاقا متنوعة أمام المتلقي ليقف متأملاً لما قرأ بعين الفاحص/ المتبصّر والمستفيد، إذ أن لكل كاتب رسالته الخاصة وهدفه تجاه القارئ/المتلقي ـ على الأقل كما أرى الأدب في رسالته ـ إذ نضع عصارة أعصابنا وخيالاتنا في النص، سواء كان شعرياً أو سردياً،إذا ما انتفى الهدف وصارت الأهداف تجارية بحتة، انتفى دور المبدع الإنساني، ساهم بشكل لا مسؤول /لاواعي لتحويل الأدب والفكر إلى سلعة يروّج لها عبر هكذا استسهال واستخفاف بالمتلقي الجاد.

عبد الإله الصائغ/شاعر وناقد وباحث أكاديمي عراقي مقيم في مشيغن الأمريكية

الجنس ورطة الرواية العربية ومأزق العقل الجمعي العربي

يقينا أن هذا العنوان ملتبس فالجنس مثلا عند نجيب محفوظ غيره عند الطاهر وطار غيره عند حنا مينا أو موسى كريدي ! لذلك فإن إعتداد الجنس وعيا جمعيا متناظرا يمثل غلطا منهجيا! لقد استطاع الطاهر بن جلون نقد هوس العقل المغاربي العربسلامي بالجنس فكل شيء ذكر وأنثى وكل ذكر فخر وكل أنثى عيب ! بينما حاول موسى كريدي توظيف الجنس للتعبير عن اللغة في اللغة أما الروائية أحلام مستغانمي فهي كمثقفة وروائية تنظر إلى الجنس نظرتها إلى الغذاء والكساء دون حساسية ناقصة أو زائدة لكنها وظفت الجنس لكي تجتذب رواياتها العقل العربي الكمي تماما كما يفعل الصياد حين يضع طعما في الصنارة لكي يصطاد السمكة ! مستغانمي مهمومة بالواقع البائس حيث خان ثوار الأمس حتى مفهوم الثورة فجعلوا الشرعية الثورية فوق الشرعية الدستورية. هي روائية تريد أن تصرخ تحتج والقاريء العربي ملول لذلك جعلت رائحة الجنس في رواياتها طعما للقاريء الذي سئم الخطاب السياسي الحداثوي والقداموي معا ! إن الجنس كوعي روائي عربي يمثل محورا تدور حوله أحداث الرواية بشكل مباشر أو سواه ! ولا يمكنني حقا أن أتخيل عملا روائيا يعتد الجنس ضربا من الفساد والعبث ! لكن المؤلم أن العنصر النسوي الروائي سلك سبيل التذاكي واستغفال وعي المتلقي فكثرٌ من الروايات النسائية تجعل الجنس عريا وطوافا حول كعبة الجسد ! فثمة عبارات وكلمات تشي بسذاجة رؤية بعض الروائيات العربيات للجنس مثل غشاء البكارة والاغتصاب والاندلاق وأشياء أخرى بينما تكون السايكولوجية الدلالية الجنسية خارج لغة الكلمات المفرغة من الدهشة ! إن الجنس في الرواية ليس كلمات أو عبارات قاموسية شبقية بل هو حركة تخض الرواية ونمواً يمنح الأحداث ديمومة التوهج ! وكانت كوليت خوري قد انتقت لغة الجنس الروائية بذائقة حادة وحساسية شديدة ولنا مثلا استذكار "أيام معه" لكن الزمن والنسيان محقا مشروع هذه الروائية الرائدة ! وبودي استذكار رواية "مائدة لأعشاب البحر" لحيدر حيدر كي أدخلها مخبر التحليل النصي وأصل إلى أن الجنس في هذه الرواية لم يكن جنسا منبعثا من يقينات البوح الروائي بل كان الجنس مشاهد لا تشترك بأية قواسم ولولا تدوين الرواية لحرب الأنصار في أهوار العراق لكانت ثيمة الجنس لا تختلف عن كتب رجوع الشيخ إلى صباه والأيك في فن النيــ ( كذا ) إن حاجة القاريء إلى رواية تتعامل مع الجنس بدهشة القبلة الأولى دون أن تقتحم دائرتي المقدس والمدنس ما فتئت قائمة ! لقد صدر كتاب عن جامعة ذمار لزوجتي دجلة أحمد السماوي بعنوان "النقد الأدبي الأنثوي العربي" وهو في الأصل أطروحة ماجستير كانت بإشرافي وقد توصلت الباحثة إلى أن الجنس في الرواية الأنثوية العربية متاهة وحشية لا تنبعث من مسوغ ولا تدشن رؤية استباقية للعلاقات المتكسرة بين الجنسين ! أن الحديث يطول يا مولاتي كما قالها نزار القباني ولكنني أوجز القول فأثبت أن الجنس في أية رواية هو الخلق وهو التخليق معا هو العلة والمعلول سوية لكن الرواية العربية لم تتخندق بعيدا عن الرداءة الاجتماعية العربية فهي تحمل ملامحنا والكدمات فيها ولو أن الروائيين العرب وبخاصة جيل الستينات والسبعينات يتقبلون النقد بروح سمح لقلنا أن الروايات التي كتبوها في أغلبها كانت استمناء خارج مكننة الجسد ! كانت الرؤية الجنسية في الروايات عهد ذاك هلوسات وهذيانات بل وتصفية حسابات كما فعل عبد الرحمن الربيعي في رواية الوشم حيث اقتص من رفاقه الشيوعيين قبل أن ينسلخ منهم فجعل نساءهم رخيصات يمارسن الخيانة الزوجية السرية كما يمارس أزواجهن النضال السري وكما فعل محمد شكري في الخبز الحافي فقد اقتص من المجتمع المغربي الذي لا يلتفت إلى العبقريات فجعل شبابه في سن العشرين يمارسون مهنة غريبة وهي قبول افتراش السائحات العجائز لقاء كمية مناسبة من الدولارات ومثل ذلك فعلت الصغيرات المغربيات فهن يمارسن وظيفة السواح الخليجيين المسنين ! أنا أفضل أن يكتب الروائي يوميات أو بيانات حين يفكر بالانتقام أو التصفيات أما العمل الروائي فله أبجدياته وقوانينه الصارمة ! الجنس ورطة الرواية العربية ومأزق العقل الجمعي العربي.

محمد معتصم / كاتب وناقد مغربي

الجنس من منطلق فنية الخطاب الروائي

تعرف الرواية العربية حضورا مهما وتعرف الرواية النسائية العربية انتعاشا ملحوظا، خاصة بعد المد المتواصل من الروايات القادمة من الخليج العربي. واللافت في التجربة النسائية والنسوية في آن واحد، اقتحامها جميع القلاع التي كانت محصورة على الرجل، كالتجربة السياسية، والمحرم الثالث المتمثل في "الجنس". ويمكن النظر إلى موضوعة الجنس في الرواية العربية والنسائية بالخصوص من وجهات مختلفة ومتعددة، مثلا: تكتب المرأة عن الجنس من منطلق اكتشاف الذات، لتحريرها من الدهشة والخوف، اللذين سكنا متخيل المرأة، أو لنقل سكنا متخيل الرجل. ولعل دخول مجاهل هذه القارة دعت إليه الضرورة المعرفية، فالمرأة الكاتبة تسعى وهي تكتب عن الجنس إلى تغيير النظرة الصورية والثابتة حولها، وهي نظرة أنتجها المتخيل المقهور للرجل. وتعود الصورة الذهنية الثابتة عند الرجل على المرأة من الموروث الشعبي: الحكايات الشعبية، والمتداول الشفهي. ويمكن اعتبار رواية الكاتبة السورية سلوى النعيمي "برهان العسل" واحدة من أهم الروايات العربية النسائية التي عالجت موضوعة الجنس واعتبرته نافذة لكشف الحقيقة بين الرجل والمرأة، وبين الثقافة العربية المواربة والثقافة العربية المتفتحة العارفة... وتكتب المرأة عن الجنس غالبا من منطلق إثبات الذات، مرة للعثور على موطئ قدم لها في عالم الكتابة والكتاب، ومرة أخرى لمواجهة الأفكار المسبقة التي تحاول البحث في الكتابة عن ذات الكاتبة. وهو ما صرحت به الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق صاحبة "تاء الخجل" حيث عالجت موضوعة الجنس عندما أصبح اعتداء جسديا، ووسيلة قهر، وطريقة لإخضاع الآخر، صاحبة رواية "اكتشاف الشهوة"، وقد كتبت عن الجنس كمنطقة تماس بين الرجل والمرأة، وأداة لتبادل القهر والإرغام بين الجنسين...وتكتب المرأة عن الجنس من منطلق فنية الخطاب الروائي، حيث توظف المرأة الكاتبة الجنس لا كخطاب برنوغرافي، أو إباحي، أو فضائحي ولكن كسياق فني تستدرجه الأحداث. وله عدة وظائف كالوظيفة الاجتماعية، ومن هذه الروايات يمكن الإشارة إلى روايات حنان الشيخ.

محمد العشري / روائي وناقد مصري

الفضفضة في الجنس أصبح ظاهرة مؤرقة في الرواية العربية الآن

الكتابة والفضفضة في الجنس أصبح ظاهرة مؤرقة في الرواية العربية الآن، خاصة لدى الكثير من الكاتبات، ويبدو أن هذا هو التوجه العام في الرواية الآن، خاصة أنه يحقق للكاتب ويجذب إليه الكثير من القراء، وذلك لأن نقد القيمة أصبح غائباً الآن، أزمة الرواية العربية في الوقت الحالي أنها تحولت إلى سلعة لدى بعض الكتّاب، مما حمّلها مسئولية أن تخضع لآلية السوق، وهو ما عرّاها من الفن والعمق، وجعلها مبتذلة تستعرض جسدها على الملأ، لتثير حواس القاريء بقشورها الخارجية، كما تفعل مغنيات القنوات الفضائية. الغريب أنها تجد من يصفق لها بحماس باعتبارها النموذج الأمثل للرواية، وهو ما دفع الكثير من الكتاب الجدد إلى الإستسهال، وملأ كتاباتهم الروائية والقصصية بالفضفضة في الجنس، والسياسة، والتعدي على الدين، على حساب القيمة والمضمون، ودون توظيف جيد، أو أن يتم ذلك بشكل فني راقٍ يدغدغ الحواس ويغذيها. وقليلة جداً الروايات التي استطاعت أن تنجو من فخ الاستسهال، وأن توظف الجنس توظيفاً جيداً يخدم العمل الروائي.

راسم المدهون/شاعر وناقد وصحفي فلسطيني مقيم في دمشق

"اللعب" بموضوع الجنس، واعتباره نوعا من "التوابل"

أن نسأل عن ضرورة وجود الجنس في الرّواية هو تماما كأن نسأل عن وجود الحياة ذاتها، فالرواية كتعبير عن الحياة وما يعتمل فيها من صراعات اجتماعية وإنسانية تستجيب بالضرورة لكل النشاطات الإنسانية ، وتشكل في الوقت ذاته مرآة المخيلة لبشر يعيشون بأفكارهم ، ولكن بغرائزهم أيضا. هو سؤال يطلع من نافذة "الحياء" تلك التي يضعها البعض نوعا من رقيب على الإبداع ، ولأنه كذلك فهو كأي رقيب آخر يظل مشغولا بالبحث عن مبرّرات للقمع وحيثيات لمداهمة النص الرّوائي و"إيقافه عند حدّه" انتصارا لما تعتبره أوساط "المحافظين" و"المحافظين الجدد" قوانين أخلاقية تفترضها مفاهيمهم للمجتمع وتراثه. مع ذلك ولأن الرواية مفتوحة على الحياة ينبغي أن نتذكر أنها في الوقت ذاته جنس أدبي انتقائي ، أي أنها تتأسّس على حرّية الكاتب في "انتخاب" عوالمه ، وفي تقديم ما يراه سندا فنيا ومعرفيا لرغبته المشروعة في خلق مناخه الروائي ، وتمكينه من تحقيق تواصل مع القارىء.

أعتقد أن اللغط في هذه المسألة لن يتوقف ، فالقارئ يجد نفسه بين وقت وآخر أمام تناول لقضايا الجنس بدوافع وأشكال فنية وأدبية متنوعة ، بل وحتى متناقضة.

هناك من "يلعب" بموضوع الجنس ، ويعتبره نوعا من "التوابل" التي يمكنها استدراج مزيد من القرّاء إلى نصوص روائية ركيكة. ذلك لا يعنينا في شيء ، لأنه لا يمتلك سنده ومشروعيته الإبداعية. ما نشير إليه هو بالتأكيد الحاجة الطبيعية والمفهومة لتناول الجنس في الرّواية العربية باعتباره حالة أساسية لا يمكننا القفز عنها ، وهو تناول لا بد للوقائع الروائية ذاتها أن تحدد شكله وطرائق التعبير عنه ، وصيغ هذا التعبير. يطلق بعضنا على قضايا الجنس في الأدب القضايا المسكوت عنها ، ومع ذلك هل يمكن لأدب حقيقي أن يسكت على قضايا إنسانية ما ؟. هي ليست مسألة الجنس في الرّواية قدر ما هي مسألة الرواية ذاتها: هل تنفتح روايتنا على الحياة في صورة كاملة وفاعلة، أم تظل أسيرة الوهم؟، ذلك هو السؤال.

سعيد خطيبي/ شاعر وصحفي جزائري

هناك حشو للجنس يعبر عن اتساع الكبت النفساني عند الروائي

باعتقادنا أن "سوق المُحرمات" في الجزائر صارت تشهد حالة اتساع منتظمة..قبل حوالي السنة، فاجأنا أصحاب "النوايا الحسنة" بقرار يكشف عن واجهة تعسفية يقضي بمنع تداول عدد خاص من المجلة الأدبية الفرنسية "ماغازين ليتيرار" مكرس لمجموعة أطروحات نقدية موضوعية تدور حول مكانة الجسد الأنثوي في فضاءات الآداب الفرانكفونية..! باعتقادنا أيضا أن المدركات السطحية صارت سمة وراثية في الذهنية الجزائرية..صرنا نميل إلى تأويل الجوهر استنادا على صورة المظهر..لا يهم! سألني، قبل بضعة أسابيع، أحد الصحفيين الذين نكن لهم كثيرا من التقدير والاحترام و المتمتعين بمسار مهني حافل، عن اسم أهم فرق موسيقى الراب في فرنسا فأجبته بتلقائية أن أشهرها تدعى NTM ..سأل عن معنى العبارة وانتفض في وجهي فجأة لما أخبرته بالمعنى الحقيقي الذي يعرفه كثير من الشباب، قائلا: "العياذ بالله!..هؤلاء إخوان الشياطين لو دخلوا بيوت المسلمين فسيهدمونها..". المعضلة الحقيقية تفيد أن المسلمين أنفسهم من صاروا يهدمون بيوتهم بأيديهم..أما NTM فلا تحمل من معايير السوء سوى الإسم بينما تصب مجمل أغاني الفرقة في خانة الكشف عن تجربة موسيقية ذات أبعاد إنسانية...لا يهم!. جميل أن نشاهد حالة نقاش جاد حول موضوع توظيف الجنس في الرواية الجزائرية والعربية ولكن وجب أيضا أن نعترف بأن الميل إلى تنصيب "الجنس" ضمن قائمة الطابوهات نذير انحطاط المجتمعات العربية...هذا مهم جدا!. تاريخيا، لو أعدنا النظر في بدايات التجربة الروائية الجزائرية سندرك أن موضوع الجنس لا يعدو أن يكون موضوعا عابرا.. يفتقد إلى الهالة والإثارة الدائرة حوله اليوم. تكفي فقط العودة إلى إحدى الروايات المؤسسة في الجزائر والتي حملت عنوان "خضرة، رقاصة أولاد نايل" والتي تصف يوميات أم عاهرة وابنتها المدعوة خضرة ومختلف علاقاتهما المشبوهة في "بزار الدعارة" بأسلوب يحاكي الواقع ويكشف عن حالة انسجام داخل البنية السوسيولوجيا للحياة الجزائرية أين لم يكن الجنس يتعدى ضروريات نزوة لحظية تنأى عن بلوغ حالة الهاجس المبتذل المتداول بين الروائيين الجزائريين "الحداثيين"..لا يهم!. إحدى الملاحظات السلبية التي تشكل عثرة أمام تطور تجربة الكتابة الإبداعية في الجزائر تتمثل في اتساع حدة مشاعر "الأنانية" أين صار كل مؤلف يدعي الأفضلية من منطلق معالجة الطابوهات وفق رؤية جديدة، خصوصا طابو الجنس. لسنا هنا بصدد تقديم قراءة نقدية إنما فقط وجهة نظر ذاتية تفيد، للأسف، أن جلّ ما تمّ "حشوه"، على الأقل، خلال العشريتين الماضيتين، من توظيف للجنس وإيحاءات تلذذية، يعبر عن اتساع هامش الكبت النفساني عند الروائيين..هذه حقيقة مرّة..غالبية مبدعينا مصابين بكبت داخلي يفتقدون حسّ التوّجه صوب بوابة المغامرة والتجريب، على طريقة الكاتب الكبير كاتب ياسين، مكتفين بنقل صور وأحاسيس استمعوا إليها أو التقطوها عبر القنوات الفضائية أو أقراص "دي في دي" بالأحياء الشعبية..لا يهم!. لم تثر في نفسيتي صدقية روائية تتحدث عن الجنس مثلما التمسته في رواية "الخبز الحافي" للروائي محمد شكري الذي لم يجد عبارة للإشارة إلى "المغارة العجيبة" في البنية المورفولوجيا الأنثوية سوى "العفسة".. نفس الانطباع يمكننا إدراكه مع الروائي الطاهر بن جلون الذي يختلف عن روائيينا، الغارقين في جلسات الصالونات الفاخرة نهارا و هلوسات العادة "السحرية" أو "السرية" مساء.. من خلال قدرته على النزول إلى "الأسفل" والتعامل إيجابا مع طبقات المجتمع المغربي البسيطة.. أحيانا أتساءل بسذاجة: لماذا الروايات العالمية تبتعد عن توظيف الجنس؟..."شفرة دافنشي" لدان براون مثلا أو آخر روايات لوكليزيو صاحب جائزة نوبل 2008..!.صحيح أن التوظيف المباشر للجنس ضمن الكتابة الروائية يتضح أكثر في تجربة الكتّاب الرجال ليتلاشى تدريجيا عند النساء عدا بعض الحالات، على غرار كتابات أحلام مستغانمي وفضيلة الفاروق.. حيث وجب، في هذا المقام، الإشارة إلى اتساع عقدة "الحشمة" بين الأوساط النسائية أين صارت المرأة نفسها التي ينطبق عليها المثل القائل "تحوّس على اللبن و تخبي الطاس" تساهم في فرض النظام البطريركي واستبداد الصوت النسائي..لا يهم!.

رحاب الهندي / روائية وصحفية عراقية

الجنس مفردة حياتية

للأسف هناك الذين لا يستوعبون الفرق بين الإبتذال في الكتابة وموضوع الجنس في الكتابة الذي يكشف عن عيوبنا الاجتماعية وقهر للمرأة والرجل معا وإن كان قهر المرأة بالطبع أعمق الجنس مفردة حياتية وهي سبب رئيسي لكثير من مشاكل المجتمع التي تختبئ تحت العباءة
ويحاول البعض ألا يكشف عنها أحدا بسبب ما يدعونه من الخوف أن يقع من يكتب في هذا الموضوع بالابتذال، رغم الفرق الشاسع بين الحقيقة السردية التي تكشف عنا هفواتنا وأخطاؤنا حتى في الجنس الذي هو أساس في الحياة وبين الابتذال الذي ينتهجه البعض.

يحيى القيسي/ روائي أردني

بعض الكتاب يسوّق علينا أفلام بورنو بحجة الجرأة

هناك من يرى في اختراق التابو الثلاثي أمرا جديرا بكتابة مغايرة للسائد وجريئة، وبالطبع أتفق مع ذلك، ولكن يجب أن يتم الأمر ضمن سياق سلس ومقبول ومنسجم مع رسالة الكاتب لا أن يكون مقحما ومجانيا، وإذا كانت أضلاع هذا المثلث الأحمر للتابو أي (السياسة والجنس والدين) قابلة للاختراق حسب الكاتب وطبيعة بلاده، فإن البعض يرى في الجنس تحديدا ضلعا سهلا للاختراق، حتى لا يتورط في الدين والسياسة ويتحمل بذلك مسؤولية قانونية وأمنية تهدد حياته.

تناول الجنس ليس أمرا جديدا بالنسبة للكتابة العربية، وأنا بالعكس أرى أن هنالك تراجعا في الاهتمام بدراسته وإعطائه حقه من التعبير في الثقافة العربية الحديثة قياسا لتجارب أجدادنا قبل ألف سنة أو يزيد ، ولنا في التيفاشي ، والنفزاوي ، والسيوطي أمثلة فاقعة على ما ذكرت.

الكتابات السردية العربية الجديدة في تناولها للجنس متباينة فالبعض يقترب منه على استحياء، ومواربة كبيرة، والبعض الآخر يتناوله بطريقة فجة، فكأنه يقدم لنا فيلما إباحيا علينا أن نشاهده سواء قبلنا أو لا.

بعض الروايات النسوية تحديدا خلال السنتين الماضيتين تجاوزت الأدب بمعناه الأخلاقي والفكري لتقدم لنا سردا يصف اللقاءات الجنسية بطريقة مباشرة، ولا أدري ما الفائدة التي يجنيها القاريء من هذا التوجه، وما الرسالة التي تريد هذه الكاتبة أو تلك من أن ترسلها لنا، اللهم إلا المزيد من إضرام الشهوة بمعناها الجسدي لا الفكري.

إن الكتابة الجميلة العالية تشبه فيلما سينمائيا عالي المستوى وعالميا في نظرته للإنسان، وعميقا في الآن نفسه أما تلك الكتابة الإباحية فهي حقا تشبه تلك الأفلام الجنسية الممنوعة والتي يعاقب عليها القانون، ولا يجب أن تقع بين أيدي الصغار.

إنها طريقة سريعة للشهرة وللترجمة وللدخول إلى السوق الأوروبي والأميركي أكثر من كونها كتابة ذات مستوى سردي متميز ومضمون جريء يضيف شيئا من الجمال إلى العالم.


قلولي بن سعد/ قاص وناقد جزائري

الجنس في الرواية العربية نتاج حوافز نفسية متداخلة

أزعم أن الدافع إلى الكتابة عن سائر المحظورات ومنها الجنس على وجه الخصوص والتي لم تتغير رغم الإبدالات الكثيرة التي آلت إليها مجتمعاتنا العربية في السنوات الأخيرة سياسيا واقتصاديا ومعرفيا عديدة ومتنوعة بل إن حضور الجنس في الرواية العربية تحديدا هو نتيجة مجموع حوافز نفسية ومعرفية متداخلة يصعب حصرها في بؤرة واحدة فقد تبدو عند البعض نتاج الخوف من خطر الاضمحلال الذاتي أو الموت الفردي أو هو وليد الرغبة في إعطاء معنى مغاير للجسد كجزء من التركيبة الفيزيولوجية والبيولوجية للإنسان في حله و ترحاله.. في لحظات الفرح والحزن.. في طمأنينته وفي قلقه الوجودي وهو عند البعض الآخر ثمرة الرفض لما هو سائد والتوق إلى لم ما لم يقل أي إلى ( اللامفكر فيه ) بتعبير ميشال فوكو فتكون الكتابة بناءا على هذا التعدد مسكونة بالحرية ومدفوعة إليها وبها والجنس في اتصاله بالسرد عموما والرواية العربية على وجه الخصوص حافز أولي لا سابق له على الخروج من الخوف إلى وضع العري معرفيا وإبداعيا..من الاختباء وراء متاريس التقاليد الشرقية الكابحة لرغبات الإنسان المقموعة إلى كينونة بدء يتمثل فيه الروائي العربي جسده/ أجسادنا إمكان للتحقق أو هو ممكن / مستحيل يتحقق بعضه ويمكث البعض الأخر شريدا داخل عوالم النسيان الأبدي.. بدء مشحون بقوى تنزع إلى الاختلاف ونفي التكرار والرداءة والإسفاف ، والجنس في ارتباطه بالرواية العربية أيضا لدى الطيب صالح ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ومحمد شكري وحيدر حيدر ويحي حقي ورشيد بوجدرة وأمين الزاوي والأعرج واسيني هو أيضا مشروع أفق لا نهائي يلامس أحيانا الوعي بالعملية الجنسية كحاجة طبيعية لا صلة لها بالمحظورات بإصرار عجيب على البقاء وتحدي مجتمع أبوي بطريكي قهري إلا أن توظيفاته في الرواية العربية تختلف وتتباين أبعادها المتصلة بضمير الأنا الكاتبة المستثمرة لهذا الطابو – أي الجنس كتعبير عن امتلاك وتمثل ناصية الكلام (والتذويت) من خلال تحويل تلك الأنا إلى بؤرة والميثاق التلفظي الذي يرد فيه الجنس كمحمول فني ملتبس بالطابو لا يعمل لحساب جهات دعائية خارج العمل لحساب الفن والجمال أساسا مع العلم أن قائمة السرود الروائية التي تناولت موضوع الجنس بحرية وطلاقة وبوعي مؤسس على المعرفة به وبوظائفه وأبعاده الفنية والباطولوجية المتصلة بجملة من الحوافز النفسية التي تدفع الروائي العربي إلى إيلاءه الأهمية القصوى داخل العملية الإبداعية برمتها تكاد تكون محدودة في الزمان والمكان وتعد على أصابع اليد وذلك عائد إلى أن وعينا الثقافي بالجسد أساسا معرفيا وفلسفيا لم نتفطن لضرورته إلا بعد مرور ثلاثة عقود أو أكثر من تبلوره في أوروبا على وجه الخصوص ومن خلال المراجع الفرنسية والألمانية تحديدا (جورج باطاي مثلا على صعيد التنظير لفلسفة الجسد) علاوة على أنه جاء كرد فعل ثقافي على سيادة أنواع أخرى من الممارسات الثقافية والإبداعية التي اشتغلت على التاريخ والمجتمع والمتخيل وأهملت بذلك رغبات الإنسان وحاجاته الطبيعية في الحياة بل أنها أنكرت عليه تملكها وإحياءها ذهنيا وشعوريا على صعيد الكتابة الإبداعية ضمنيا أو صراحة.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر/ جريدة النصر عدد 2009

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى