الأخضر بركة - اليائسون

بسجائرَ لا تنطفئ
بأوراقٍ تولد صفراءَ مشتاقةً للرّياح
بقلوبٍ شُرُوخُها أفصح من بلاغة الرَّتْق
بأعينٍ هادئة
كشواطئ لم يعد يفاجئها موج
برمادٍ خذله انطفاءُ الجمر
أو بجمرٍ حالم بالرّماد،
يعبر اليائسون .
***
يرمون الحصى في بحيرة كما
لو كانوا يبادلون العدمَ التحيّةَ.
صمتهم ذاك أم خازوقُ أحلامٍ؟
معذورون ، وقد احلولكوا حكمةً
ألاّ يطمئنّوا لنباحات أمل،
معذورن ألاّ يحتفلوا بوردة
تنهض محفوفةً بالشّوك
معذورون ألاّ يركبوا للرؤى أحصنةً
مذ أمست الأرض كلّها إسطبل
معذورون، أن ينزلوا عن مقاعد من لهاث
إثر انثقاب العجلات الأربع لعربة اليقين
معذورون أن يفضحوا العتمة
بمصابيحَ من سخرية.
***
لو كانوا غيوما
لاحتار المطرُ في السّقوطِ من عدمه
فوق تراب خدعته المحاريث.
***
لو كانوا ساعات معلّقةٍ على جدران
لكفّت العقاربُ عن الدّوران
نكاية في الوقت.
***
لو كانوا أنهارا
لكفّ الماء عن غباء الجريان
صوبَ مجهولٍ
لم يعد مجهولا.
***
لو كانوا هواءً
لأمكن رؤيةُ آثار الكيّ
على جلد الهواء.
***
أكبادهم عُصارةُ ضوء
قد لا يتّسع لها زجاج مصباح.
***
ليس لهم ما يدحرجونه في اتجاه جبل،
مذ سحبوا من بنوك غدٍ
ورقة أحلامِهم الأخيرة
***
لهم قلق الذئب في دغل المخاوف
لهم أدمعٌ تائهةٌ في الأدمغة
لا تعرف كيف تجدَ الطريق إلى العيون.
***
اليائسون بطيئوا الحركة
يتقدّمُهُم الحذرُ كحلازين تتقدّمها المِجسّاتُ
يتقدّمهم التأمّلُ في صدأ المفاتيح
قبل إمساكهم بمقابض الأبواب
ينظرون إلى غيمةٍ من النافذة
كما لو ينظرون إلى النافذة من غيمةٍ.
***
معذورون، لاتّقاء عوسجة الصحو،
أن يستحمّوا بملح النسيان والسِّدر
معذورون،
لاتّقاء أضحوكة السّكر أن يمضغوا حشيش اليقظة
معذورون أن يبتسموا
في وجه بابورٍ من الحزن،
وأن يضحكوا كسكاكين بيضاء في غسق احتفال،
معذورون أن يصمتوا كمحرّك شاحنة
متعاطفين مع سقوط الّليل في صحراء العزلة.
معذورون أن يغمسوا
ما تبقّى من الخبز في دمع السحاب
أن يناموا
على خشب يتصدّق به شجر ٌمجهول
ومعذورون أن ينشغلوا
بغسل جواربهم
من روائح المشي الذي خيّبتهُ الطُرُق
***
اليائسون
هم ما يُرى من ظهر المرآة
هم بيت الشعر مكتوبا بعظمةِ طائرٍ
على رمل الشاطئ في الشّتاء
هم درجة السلّم المهدومة في عمارة الوعي
هم الخيط الرافض الدخولَ في عين الإبرة
هم أصدقاءُ الشجرة الوحيدة
بعد احتراق الغابة.
هم أنين الرصاصة في لحم الحياة
***
اليائسون
ضجر الكراسي الخلفيةِ في مسرحيّةِ كَوْن،
ضجر الرفرفة في قماشة علَمِ البلاد،
ضجر الليل من اصطفاف النجوم على كتفيّ مجرّة.
***
ما أجملهم
وهم يسألون النبتة عن جدوى النموّ في أصيص،
ما أجملهم
وهم يسحبون السمكة من الماء بصنّارةٍ،
ثمّ يعيدونها في الماء،
ما أجملهم
متسكّعين كالأفكار في ذهن سكّير،
ما أجملهم
ماسحين الغبار بأكمام معاطفهم عن زجاج اللغة،
ما أجملَهم خاسرين
جولةَ اللّعب مع طواحين الهواء،
ما أجملهم جالسين
على حافّة النهرِ وأقدامُهم
تتحدّث حافيةً مع الماء.
  • Like
التفاعلات: صادق خيرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى