ظلال عدنان - من منكم فقد ظله؟

تسلل الفجر رويدا وتنفس الصبح متنهدا. وارتفعت الشمس متثاقلة تخلع عن الدنيا ثوب ليل ممزق شوقا وهما ودمعا وأملا.
موج الحياة في المدينة انطلق. بشر وطير وحجر. اقتحمت الشمس قلب السماء. والتفت أحدهم يخلع الرداء. وتسمر بصراخ يتعالى: "أين ظلي؟"
تفقد الجميع ظلالهم، فما وجدوا لها أي أثر. وقفوا تحت الشمس. يمينها. يسارها. خلفها. فما وجدوا أي أثر.
لعل الشمس هرمت. وطاقتها نفدت. فما عادت للظلال خلاقة. فأحضروا مصابيح كبيرة متوهجة. سلطوها على أجسادهم. وراقبوا تكون ظل رجل. ظل امرأة أو حتى ظل حجر. ولا أثر.
من سرق ظلي؟ من أخذ ظلي؟ من اغتصب كل الظلال؟
ساحر المدينة اخبرهم أنه يصنع الظلال فليحضر كل منكم ماله ويشتري ظلا يرافقه.
في متجره تجد كل أنواع وألوان وأشكال الظلال: ظل ملك وظل أمير. ظل غني وظل فقير. هذا ظل طويل. وذاك ظل قصير. ظل رجل وظل امرأة.
حاكم المدينة أمر الجند بانتقاء أفخر الظلال وأرفعها وأثمنها: ظل ملك وظل غني وظل متسلط وظل ظالم وظل عابث وظل بائع.
وزوجة ذاك الوزير فرحت بسرقة ظلها العابق برائحة المخيم والنزوح والفقر. وبحثت عند الساحر على ظل مكسو بالفراء مطرز بالمجد فوجدته لكنه كان أطول منها تجره خلفها.
وفقير سئم ظله المهترئ، فاشترى بالديْن ظل تاجر غني رغم ثقله لكنه حمله على كتفين مسدلتين.
اقتربت من الساحر امرأة قضت عمرها وحيدة أذلتها الأيام وأهل الزمان، منكسرة خجلى؛ طلبت منه ظل رجل. تعجب واندهش. لكنه منحها طلبها دون سؤال.
حاكم المدينة قتله ثقل الظلال التي لبسها دفعة واحدة. وزوجة الوزير كلما خطت تعثرت بظل مجد ليس لها حتى تمزق، وذاك الفقير زاده الظل فقرا فتقوس الظهر وتهدلت الكتفان وباع ظله ليسد ثمنه لساحر المدينة.
من بعيد، كانت المرأة تتشاجر مع ظلها. تصرخ عليه مستنكرة لصوقه بها. إمساكه بتلابيب ثوبها واطلاعه على تفاصيل حياتها وتكرر: "سئمتك. سئمتك. فارحل".
بقية الشعب عاش أجسادا دون ظلال، واحتلال.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى