نوّارة لحرش - كاتبات تحت جلد الذكر الغالب.. استطلاع

في الكثير من القصائد والنصوص والمتون الأدبية مازالت المرأة الكاتبة تتكلم بلسان الرجل، لماذا هذا الإختفاء في عباءة أو تحت جلد الرجل؟ هل هذا لضرورة نفسية أم لضرورة فنية؟، أليس التكلم بلسان الرجل هو بعينه ذكورة أخرى تستعذبها وتستلذها بعض النساء الكاتبات قبل الرجل الكاتب؟. لماذا لا تكسر الكاتبة الخطاب الذكوري في الكتابة، لماذا تصر بعض الكاتبات على التحدث بلسان ذكوري، لماذا لا تتخلص منه، لماذا لا تكسره، لماذا لا تتحدث بلسانها هي، لماذا تقصي لسانها بنفسها وتتقمص لسان الرجل، تستعيره لتعبر عن همومها وهموم أخرى شتى، هل الخطاب الأنثوي لا يليق بها؟. الرجل عبر عنها كثيرا وبمستويات وأطروحات مختلفة بلسانه ولسانها على حد سواء فلماذا لا تعبر هي عن نفسها وبلسانها؟. هذا ما ستجيب عنه بعض الكاتبات الجزائريات والعربيات ولكل واحدة نظرتها وفكرتها وقناعتها ونبرتها أيضا.
ياسمينة صالح/ روائية جزائرية
الخطاب الأنثوي" الجاد شوهه النص الأيروتيكي الهابط!
دعيني أرد على هذه الأسئلة بالقول أنني واحدة من الروائيات الجزائريات اللواتي كتبن بلسان الرجل في أغلب رواياتي (ما عدا رواية واحدة) ولم أفعل ذلك لأختفي خلف عباءة الرجل على حد طرحك، ولست أظن أن ثمة كاتبة تصدر نصا باسمها الصريح ستحتاج إلى الإختفاء خلف عباءة الرجل! ناهيك على أن الكاتبة التي تدافع عن خطاب أنثوي داخل النص تختزل في أغلب الأحيان مطالب المرأة الإنسانة في أناة ضيقة سرعان ما تحولها إلى شذوذ يُفقد فاعلية الخطاب نفسه!، دعيني أقول أنني مسكونة بالفكرة أكثر مما أنا مسكونة بمن سيحملها داخل النص، الرجل أم المرأة، وفي النهاية ما أكتبه لا يخرج عن الفضاء الإنساني الذي يخصهما معا، المرأة والرجل، ضمن ما أريد طرحه في النهاية من أن الحرية المبنية على الخطاب المزيّف، وغير الصادق هي حرية مصطنعة، وأن الدعوة إلى تحرير العقل والفكر تظل أهم بكثير من الدعوات الرخيصة إلى تحرير الجسد تحريرا أيروتيكيا!، سأنطلق من تجربتي الخاصة في 4 روايات، لأقول أنه لم يطرأ على بالي لحظة أن أختفي تحت عباءة الرجل عندما أكتب على لسانه، على إعتبار أنني لا أوقع باسم مستعار، ولا أوقع طبعا باسم رجل!. سوف أعترف أيضا أن روايتي الأخيرة "لخضر" التي كان بطلها الرئيسي رجلا كانت محاولة لكسر ذلك المعتقد التقليدي بأن المرأة تنحصر أفكارها في ذات الثالوث التي أصبحت تعتمد عليه أغلب الكاتبات، والذي يبدأ بالجنس حد البذاءة! وأتحدى كاتبا رجلا يمكنه أن يكتب رواية بنفس جرأة رواية "لخضر" في طرح الأفكار التي تمس الشريحة الأهم من الناس، من البسطاء ومن غير البسطاء، ضمن العلاقة الضمنية بين السلطة والإسقاطات التي من الممكن أن تؤدي إلى كارثة في أي بلد! المشكلة عندي ليست إذا الخوف من الكتابة على لسان امرأة، طالما أرى أن ما يهمنا كبشر أكبر من مجرد كونه أطروحات أغلبها سفسطائية أو ببغائية، مفتعلة أو مأخوذة عن الغرب وليست بالضرورة متطابقة مع عقليتنا الجماعية أو الفردية! الكتابة نفسها هي الأساس عندي، كيفما كانت، وطالما المرأة قادرة على تجاوز المواضيع الإستسهالية، وتجاوز الأفكار السطحية أو غير الجدية، فيمكنها أن تصنع نصا متفرّدا وهذا هو الأهم، لأن نظرية الكتابة ليست مجرد تجسيم لفكرة ما بقدر ما هي تأكيد على حقيقة ما، كيفما كانت تلك الحقيقة قابلة للتغيير أو لا! وهذا الذي يأكل أظافري، كوني أعتبر أن الكتابة التي تطرح تحت سياق "كتابة نسائية" لم تعد قابلة للطرح، ضمن واقع يقيّم الأعمال في إطار ما هو جيد وما هو رديء، وليس ما هو رجالي وما هو نسائي!، أما عن إشكالية الخطاب الأنثوي في سؤالك، فأظن أن "الخطاب الأنثوي" تناولته كاتبات في دول كثيرة في إطاره الضيق الذي لا يعدو كونه مطالب تهريجية بحاجة إلى إعادة صياغتها وجعلها إنسانية، على اعتبار أن الحرية نفسها تحتاج إلى ماهية بعيدا عن الشمولية، وبعيدا عن كونها جسدا (مادة)، وبعيدا عن تحديد الخطاب الأنثوي (داخل الكثير من النصوص) في نقاط (الجسد/الحرية الإنحلالية غير الفاعلة)، فهذا يعني أن ما ينقص المرأة لا يعدو كونه "سريرا ذكوريا"! وهنا يمكنك وضع يدك على التناقضات التي تفرزها هذه الإشكالية التي يُراد بها صناعة خطاب أنثوي أيروتيكي خال من الهدف، تحت سقف الكتابة لمجرد الكتابة، والتي ساهمت فيه بلا شك دور نشر معيّنة عبر تشجيع الكاتبة على نزع لباسها الداخلي على الورق! ما يمكن تصويره على أنه حرية يجب أن ينطلق من الفكر المسؤول أولا، ومن حق الفرد في الكرامة، وفي العمل والسكن، والتعليم المجاني والصحة... الخ! وألا يتم إيهام القارئ أن قضيته تتلخص في شكل المؤخرة التي يطلّع إليها داخل النص الأدبي! نحن اليوم أمام واقع متغير، ومن المستحيل العودة إلى النقطة الصفر، في الوقت الذي تسقط فيه دولنا بين أيدي الإحتلال الأسود (الإحتلال الخارجي) والأبيض (الإحتلال الداخلي الديكتاتوري)! ومن هنا سيكون من الجميل قراءة النص والإعجاب به دون تحديد هرموناته إن كانت ذكورية أو أنثوية، أو أن الكاتبة كتبت بلسان رجل أو الرجل كتب بلسان امرأة!.
صباح زوين/ شاعرة ومترجمة وصحفية لبنانية
ليس ثمة لغة أخرى في العالم سوى اللغة الذكورية وهي بالنسبة للكاتبة حماية ومأوى
هذا سؤال يطرح دائماً ولا بد من أن نتساءل حول الموضوع، لكن هل ثمة لغة خاصة بالمرأة في عالمنا الكتابي عامة والعربي خاصة سوى إستثناءات نادرة؟ ملاحظتك دقيقة، ويجب أن يلفت المرء النظر إلى المغالطات التي تحيط بنا. من ناحيتي أنا، أضع من حين إلى آخر هذه المشكلة على الورقة، لكني لا ألقى جواباً ولا تجاوباً. الكاتبة العربية ليست مختلفة عن المرأة العادية والإجتماعية. في كلام أوضح، المرأة العربية في طاعتها التقليدية هي تماماً كما المرأة التي تمتهن صنعة الكتابة مهما ادعت هذه الأخيرة التحرر (وهو في جميع الأحوال تحرر مزيّف ويقع في خانة الكلام الفارغ من أي معنى)، فتبقى إذاً الأولى كما الأخرى في تشابه عميق، بحيث أنهما تابعتان للرجل في كل مجالات الحياة وصولاً إلى الكتابة، هذا إذا يمكننا تسمية "كتابةً" ما ليس حراً! وأقصد بالتبعية وعدم الحرية في الكتابة، فعل تبني تلك اللغة التي شاءت ولا محال أن تنبثق من صلب وقلم الرجل وأن تشبهها حتى التماهي. المرأة العربية عامة، وتلك التي تكتب خاصة، هي في جهل تام لما يعني التمرد على لغة الرجل وعلى سلطة الرجل وعلى الصيغة الكلامية والتصويرية التي هو أنشأها منذ البدء ولا تزال. غالباً ما تكتب المرأة عندنا من جوف النسيج اللغوي الذكوري، جاهلة تالياً أنها تقلد وتنقل وتنسخ الرجل. فاتها أنها تفتقر إلى أي خيال وأي طاقة خلاقة. وما أشير إليه، هو أن العربيات اللواتي يتسارعن ويتناطحن ويتزاحمن للكتابة عن الجسم العاري واللحم الفارغ من معناه، أي المبتذل، هن بالجملة، وكل هذا إن لم يأت من الرجل مباشرة، فهو ولا شك يذهب إليه مباشرة! فالرجل هو المقصود. كل شيء يفعلنه يدور في فلكه. فهو يحب أن يرى جسم المرأة في عريه وشبقه، والمرأة تقع تالياً في غش ذاتها لأنها تظن نفسها حرة وفي الواقع لا تكون سوى التابعة التي تلبي رغبته، ولذا أقول إنها بهذه الطريقة تكون قد رضخت مرة أخرى لأوامر ورغبات الرجل أكانت مبطنة أو مباشرة، وتكون قد برهنت عن عجزها عن أي إبداع لغوي خاص بها. المرأة التي تصف شهوات الجسم الأنثوي الصريحة والفجة، ليست حرة ولا طليقة: إنها فحسب وخلافاً لكل إدعاء، حواء من بين الحواءات الكثيرات في عالم الكتابة العربية من هذا النوع، وأعني بشكل خاص في المجال الروائي!، بل أكثر من ذلك، لاحظت أن الرجل لم يكتب حقاً وصراحة عن هذه الشهوات الجسمية المبتذلة. فمن كتب بكل هذه الفجاجة الصارخة عن الجسم العاري هن الروائيات العربيات. وبالمناسبة، هي وحدها الكاتبة العربية في العالم، دون سواها، التي غاصت في الروايات الإباحية. هل رأيتم كاتبة أجنبية (مع استثناءات نادرة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة) تبرعط كل هذه البرعطة في ثنايا لحومها وشحومها العارية بين يدي القارىء؟! فقط العربيات يفلتن عنان شهواتهن، وذلك، بحجة الحرية! الحرية تكمن الأحرى في تبني لغة مختلفة عما يرغبها الرجل، لغة تدعه ينسى أن المرأة خاضعة لمزاجاته التلصصية، تدعه ينظر إليها بعين مختلفة. هذا بالنسبة إلى الكتابات الشبقة. أما الكتابات حول المواضيع الشتى والمتنوعة الأخرى، فلا فرق أيضاً. فهي تتبنى خطابه السلطوي البطريركي، في مجال السرد عامة، لكن لنكن موضوعيين عند هذه النقطة، وكما أسلفتُ، هل ثمة لغة أخرى في العالم سوى اللغة الذكورية؟ فالذكور هم أول من كتبوا وهم أول من وضعوا الكلام على الورقة وهم أول من دوّنوا وأول من مسكوا السلطة الفكرية والإجتماعية. فالمرأة باتت من ناحية أخرى وريثة ما صنعه الرجل وليست شريكة في الصنعة. ظنت الكاتبات العربيات أن الكتابة عن الجسم البذيء قد يخرجهن عن سلطة الرجل، لكنهن يقعن تلقائياً في لعبته هو. الأمر ذاته ينطبق على المرأة الكاتبة في المجالات الفكرية الأخرى!، ليست حاجة وليس عجزاً ما تفعله المرأة: إنها عادة نشأت عليها، إنه أيضاً الكسل! لكن هذه المسألة تدل أيضاً وعميقاً على أن المرأة تبحث عن حماية ومأوى في تبنيها لغة الرجل، لأن هذا يريحها. فلمَ الذهاب إلى أماكن مجهولة ومضنية تلك التي تكون نتائجها غير مضمونة؟! فسلطة الرجل ضمانة ونجاحاً!.
منهل السراج/ كاتبة وروائية سورية مقيمة في السويد
الرجال أيضا تقمصوا النساء!
لستُ مع أنه يوجد خطاب ذكوري وآخر أنثوي، يوجد خطاب ذو قيمة وخطاب بدون قيمة، بغض النظر عن نعومة أصابع كاتبه وبغض النظر إن تحول خطاب الكاتبة الأنثى إلى صوت رجل أو العكس. وأقول كاتب النص وليس كاتبته كي أختصر من مفرداتنا العربية الكثيرة والتي من كثرة التأنيث والتذكير كرّست ثقافة التمييز بين الجنسين. حين نقول كلمة المرء فهي تعني الإنسان، مهما كان عمره أو جنسه، ممكن أن يكون شيخاً أو طفلاً أو مراهقاً، ولم أقل شيخة أو طفلة أو مراهقة، فقط من أجل الإختصار وياحبذا لو أن المهتمين بلغتنا العربية وتطويرها أن يكرسوا هذه الإختصارات من دون تحميلها شعارات وكليشيهات القضايا والنضالات. في الواقع موضوع الفصل هذا بين الجنسين صار يغني مواله بعيداً جداً عن واقعه ومن كثافة وكثرة ما تناولوه قاموا بتكريس الفصل بين الجنسين عنوة عن الطبيعة. والأدب بالذات يأبى هذا الفصل، حين يقوم الكاتب بكتابة نصه فإنه ينصرف إلى مناطق إبداعية شديدة الغموض سيكولوجياً، إنما ضرورية لكي يقدم عملاً جميلاً ممتعاً، ولا أحد يستطيع رصد متى أو لِم تبدأ الكتابة بالإنفصال عن جنس كاتبها. بظني، العمل المؤثر هو الذي تنفصل الكتابة فيه عن إرادة كاتبها، العمل المؤثر يكون حين تُترك السجية. هناك كاتبات قدّمن أعمالاً جميلة وبصوت رجل، ونزار قباني قدم أجمل قصائد بصوت أنثى. القدرة على تخيل الشخصية وتمثلها بعمق وصدق هو الأهم في العمل الأدبي. من ناحية كاتبة هذه السطور لم تكن مرة شخصية الرواية المحورية عندي رجلاً، ولم تضطرني كتابة الرواية أن أتحدث بصوت رجل، فالراوي إنسان قبل أن يكون رجلاً أو امرأة، والراوي الحيادي يسرد الأحداث ويغور في الشخصيات من دون أن يعي متى يصبح الصوت ذكورياً أو أنثوياً. فالأمر كما قلت يخضع للحظات الإبداع، ويصبح الكاتب مكرّساً وخاضعاً لنصه، ويفعل هذا بمرح ورضا، ولا أحد يعرف ما الذي يشتغل في الذاكرة ويستدعي في تلك اللحظة تحول الخطاب إلى غير جنس كاتبه. فالأهم من دراسة هذا الفصل بين الخطابين، هو دراسة وتحليل النص كقيمة أدبية أو فكرية أو علمية.
ميس العثمان/ روائية كويتية
من سيتبصّر ويفهم ويعيش تجربة الأنثى في التعبير والبوح سواها
رغم أني أعارض مفهوم "تجنيس النص/ الإبداع" إلا أنه من خلال تجاربي في "السرد الروائي/القصصي والنصي "حديثا"، كنت متحدثة دوما بلسان "الأثنى" فمن سيتبصّر/يفهم/يعيش تجربة الأنثى في التعبير والبوح سواها؟، وكثيرا ما تكلّمت في حوارات سابقة حول صعوبة أتقان "الكاتب/ الكاتبة" الإبداع إذا ما تبادلا لسبب ما التكلّم بلسان الآخر، إذ أن هناك وطبقا ل التركيب العقلي/ العلمي للمرأة والرجل إختلافات جوهرية في طريقة ونمط التعاطي مع الأحداث والنظر إليها واستقبالها وإعادة سردها، فالرجل قليل الإحتفاظ بالتفاصيل الصغيرة التي تشكّل "لب" الإهتمام للمرأة، فحين تفرد "الساردة" على لسان "رجل" الكثير من التفاصيل تدخل في دوامة الحرج إذ لا يلتفت الرجل لهكذا أمور، وصار أنها "أخطأت" في تقدير ما يمكن أن يرويه "الرجل" في هكذا موقف.. هذا مثال، والعكس بالعكس هو الصحيح، هناك إختلافات واضحة، إذ أننا كما أفترض وأفعل حينما نكتب، نعمل معاولنا بحثا وحفرا وتنقيباً، دراسة خالصة لما سنكتب حوله وطريقة عرضنا للأمر، مع الإلتفات الحقيقي لما يمثله الرجل أو الأنثى من ممارسات/ إختلافات ونقاط مشتركة فيما بينهم، توخياً للحذر من الزلل والخوض فيما لا يتوافق والحقائق الأولية لطبيعة التركيب الإنساني.. الأمر الآخر، ألا تستحق المرأة "العربية" تحديداً، أن تسعفها ابنة قدرها، تلك التي حباها الله بعض قدرة متقدمة للحكي والسرد، أن تقف في خط مواز ٍمن مشاكلها وآلامها بل وحتى أن تشاركها لحظات جنونها وفوزها في حياتها، جاعلة من "سردها" مسرحاً لكثيرات يجدن في كتبنا/ رواياتنا /أشعارنا ملاذ وملجأَ؟.. أتمنى ذلك.. حقا!.
سوزان خواتمي/ شاعرة وروائية سورية مقيمة في الكويت
المشكلة في طبيعة المجتمعات التي مازالت تحت سيطرة نظرة ذكورية
إن إنتقاد الكاتبة المرأة في إبداعها بأنها تجنح نحو ثقافة الرجل وتكرر أنماط تفكيره، يعود إلى طبيعة المجتمعات التي مازالت تحت سيطرة نظرة ذكورية تحدد معايير الوعي، فالرجل العقل في مقابل المرأة العاطفة [كذلك الكثير من المتقابلات الحتمية] والتي تنمو كنماذج نمطية وقائمة منذ الأزل، ويعتبر كسر الأنماط إستثناء لا قاعدة، لهذا تأتي الكتابة بعمومها بما يتوافق مع السلوك الحياتي، والشخصيات في السرد تحمل عناصر الواقع على فجاجته إذ غالباً ما تدفع الشخصية الناشز الثمن في اضطهاد المجتمع، هذا الخطاب نجده في عموم الأعمال الروائية والقصصية عادة، ومن الظلم تحميله للمرأة الكاتبة وحدها. أما إن تحدثنا عن تبني المرأة في كتاباتها الأعراف والمفاهيم السائدة وابتعادها عموماً عن الصراحة في تبني قيم مخالفة وطرحها والدفاع عنها، فهذا الأمر مشروط بوعيها لوضعها الخاص الإجتماعي والإقتصادي والسياسي والفكري وما تريده بالفعل من الكتابة، هذا الوضع لا يختلف فيه المرأة الكاتبة عن الرجل الكاتب، فالإبداع الذي يشترط مناخاً من الحرية صار يعاني من تحسبات كثيرة، بعد أن طالته المساءلة التي تصل أحياناً إلى القضاء أو إلى التكفير.. لهذا فأنا على وجه الدقة لا أجد تصاعداً يمكن تسميته بظاهرة "المرأة الكاتبة التي تتكلم بلسان الرجل" إلا فيما يأتي ضمن ضرورة وخصوصية النص.. بل على العكس، في مرحلة سابقة، كنت ألاحظ ميلاً قد يصل إلى حد الإفراط في التعبير عن خصوصية الذات الأنثوية وطغيان الصوت النسائي على غيره من أصوات العمل، بحيث يتحول إلى بوح إنفعالي وبالتالي إلى عبء يفقد دلالاته الجمالية والموضوعية.. خاصة حين يتعلق بالإضطهاد والمعاناة الذين يسببهما الرجل، فتدور الكتابة في فلك رد الفعل وتحدي الذكورة.. أما اليوم فبالإمكان وبسهولة رصد أسماء كاتبات انتهجن الجرأة، والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى الإباحة سواء كان بهدف الإنتشار واستقطاب اهتمام الإعلام الذي يحتفي بكسر التابوهات بغض النظر عن القيمة الإبداعية، أو بهدف تشكيل قطيعة غير مسبوقة، وتسجيل مواقف حادة في وجه القمع الممارس ضد صوت المرأة.. وأقصد هنا على وجه الخصوص عدد من الروائيات السعوديات.. وفي مجمل الأحوال فإن المنتج الأدبي الحديث صار يرتبط بالذات مما يفسح مجال التعبير برحابة سواء للكاتبة المرأة أو الكاتب الرجل. كما أرى أن النظر إلى القلم النسائي وتوجهاته، وعدم شموليته ضمن رؤية عامة نقدية للمنجز الإبداعي عموماً، هي نظرة يجب تجاوزها إذ أن المرأة لم تعد ضيفاً طارئاً على الأدب، فبحسب ما رصده الناقد نضال الصالح إحصائياً أظهر عقد التسعينات خمسة وأربعين صوتاً نسوياً جديداً في الرواية والقصة في سورية، أي نحو ضعفي ما قدمته تجربة السرد السورية طوال ستة عقود من تاريخها.. في النهاية، أجد أن المرأة الكاتبة استطاعت طرق كل مجالات الإبداع بتميز وثقة وخصوصية مشهودة، ماعدا ما يخص الكتابة الساخرة، فهذا المجال، ربما الوحيد، الذي لم تتحقق فيه المبدعة بصمتها الخاصة.. فلماذا..!.
زهرة ديك/ روائية جزائرية
وحده الإلهام يحولني من جنس لآخر
لا أدري لماذا الإصرار على إلصاق هكذا خلفية فيما يتعلق بإختيار جنس بطل العمل الروائي والإبداعي عامة إذا كان صاحبه امرأة كاتبة، لماذا ما تكتبه المرأة يخضع إلزاما لمجهر مغرض سيئ النية والطوية، لماذا لا نخضع الرجل الكاتب لهكذا تأويلات واتهامات. جنس البطل بالنسبة لي لا أعرف بالضبط من يحدده، لا أعرف من صاحب الإختيار، هل إخترته أنا أم اختار نفسه أم طلع لي من خميرة لطالما قبعت في تراثي النفسي والهاجسي، لا أعرف، كل ما أعرفه أني لا أتعمد أن أكون ذكرا أو أنثى في أعمالي.. لعل لحظة الكتابة هي من يقرر ذلك، فأنا بعد الخروج من النص ألاحظ مثلي مثل من يقرأ رواياتي أن البطل كان رجلا. قد تكون الصدفة وحدها هي من جعلت أبطال رواياتي رجالا، لعل ثمة سببا لم أكتشفه بعد.. لعل ذلك راجع لتعليمات أملاها عليّ اللاشعور، ولكن ما أعرفه أني عندما أتكلم بلسان رجل وأتلبس شخصيته لا أشعر أني أجبن من أن أعقد كلماتي وأفكاري بتاء التأنيث.. المسألة هي أني عندما أنخرط في عوالم الكتابة أجد نفسي عارية عن جنساويتي.. أي أني أكتب على وقع إنسانيتي وشخصانيتي وهواجسي بالدرجة الأولى.. كنت امرأة.. كنت رجلا.. كنت شجرة.. كنت طاولة كنت حصانالا يكترث جنوني لذلك. الكتابة أدخلها بهويتي الفنية لا غير، معولة على هلوستي، لعلها هي صاحبة الخيار والقرار في أن تتركني امرأة أو تقلبني رجلا أو طفلا أو نبتة أو حيوانا أو شيئا ولا أملك إلا أن أنصاع لها. النفس البشرية.. الهواجس.. الأحلام.. الجنون.. الهذيان كل ذلك يجعلني بلا خلفية بلا حسابات في اختيار جنس البطل. أنا أومن أن الأدب الحقيقي ينطلق من الذات ولا أشعر أني أختبئ وراء الرجل لأكتب.. ولِمَ التخفي..؟ ومن قال وقتها أني لست رجلا بملء جوارحه وأعمق وأعقد نفسانياته.. وحده الإلهام يحولني من جنس لآخر من كائن لآخر من شيء لآخر.. هو من يقرر هويتي ويختار جنسي..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى