إبراهيم محمود - هوائيات

This entry is part of a series of entries "إبراهيم محمود"
صفير الهواء في الخارج
لقد أصيب بنزلة برد
يعني أن ضغطه نازل كثيراً
وهو يرتعد بكامله
وهو يطرق الباب
بابك تحديداً
وهو لا يصدّق متى يلتقيك محيطاً بكاملك
بابك الدفيء من الداخل بكليته
لاجئاً محتمياً بك
تسارعين إلى فتحه
وأنت بثوبك الشفاف
أكان عليك الظهور بهذا الإغراء الباث لحرارة فريدة من نوعها؟
وهو العليل بك ؟
ما أن تفتحينه
حتى يندفع سريعاً إلى عمق الداخل
ثمة ما يحتمي بمحيط جسمك
الهواء في هيئة المحتضن إياك
متقصفاً من الالتصاق
رافعاً ثوبك على هيئة نافورة مأخوذاً بحرارة قائمة
لا يجد ثوبك مفراً من الانتفاخ
كاشفاً عن ثلاثة أرباع فخذيك الذاهلين عن هذه الملامسة اللامرئية
عما يبحث هذا الهواء الطارق خارجاً وداخلاً
تتحسسين دغدغة ماجنة
لعلله أسفلك وأنت لا تشكّين في أنه الهواء ذاته
فتستعيدين وعياً متناسباً وهذا الهواء غير المبالى به
إنه خطأ آخر وأنت تستهينين به كثيراً
خطأك أنت في تقدير أحوال الهواء
في تحولات الهواء
كيف يشتعل الهواء صباً بك
كيف يتراءى يداً وفماً وما هو أكثر دفئاً وإيقاظاً منهما
أرأيت كيف تلبَّسك وأيقظ وحوش مساماتك بلمسة واحدة ؟
الهواء الذكي الفصيح المورِق صباً
الهواء المحلّق والطائر والمحلزن
الهواء اللعوب الطروب المهيوب
الهواء الملتقِط للإشارات وحسن التصرف
الهواء الذي يصغي ويتذوق ويشم ويبصر ويلمس
الهواء البرمائي والنشط بلبله ونهاره
الهواء الرحالة ومقتفي الأثر
وها هو المأخوذ بك كما تعلمين ..!
تغلقين الباب بإحكام مستغربة عما يجري
لكأن الداخل يكفي لمنحه أهلية إقامة
لا بد أنك واعية له
حيث بدت الغرفة ذاتها شاهدة على مستجد ما
ذلك أضفى مغامرة على اللحظة القصيرة المثيرة
لم تستطيعي حسْم جواب وأنت في مخدعك
ما إذا كان الهواء يتقدم دافعاً بثوبك الشفاف إلى الالتفاف بجسمك الرهيف
مضاعفاً فتنة اللحم الساخن ذي العلامات من وراء الغلالة الفائقة الرقة
ثمة ما نبَّهك إلى مستجد أيقظ رغبتك بامتداد جسمك كاملاً
لعلك استشعرت لذة ترجمها انشداد وأريحية لاشعوريان إلى الداخل الماجن بحق
أردت استلقاء في سريرك ذي النابض كما هو جسمك النابضي ورغباتك النابضة
احتميت بالغطاء السميك ذي الوبر المثير لوحدتك العامرة
شيء ما كان يدفع الغطاء إلى الارتفاع والانخفاض بإيقاع محسوس
لا بد أنها حركة جسمك صحبة يديك الراعشتين
لكن امتزاج الهواء البارد بالساخن أثار خيالاتك المخدعية بعمق
كما لو أن الهواء كان يشاطرك سريرك منتفضاً من ملامسة جامحة مجدداً
تشعرين بحركة الطارئ الجديد كأنه جاء في وقته
لا تقولي عن أنك لا تعرفين عن الهواء شيئاً
إنه محيط بك علماً
إنه باروميتر نبضك
على علم بطبيعة مجرى دمك في شرايينك وأوردتك
ما هو عليه نشاط قلبك
انتكاسته أحياناً
صدرك الذي يعلو ويهبط أحياناً
توتر أنفاسك
كل ذلك عائد إلى على علم الهواء بك
إياك وقولة: أنى لي أن أعرف أنه هكذا
سيثير أعصابه
وأنت نفسك مأخوذة بك
كان جسمك يتقصف تحت وطأة هذا الهواء المباغت
صحبة أنّات كان صدرك يبثها خارجاً
كما لو أن الهواء المندفع كان يعبث بأزرار ثوبك المخدعي
دافعاً بالصدر إلى الظهور العلني منتصباً شديد التوتر
حركة رجليك منحت توتر جسمك بعداً سينمائياً يستحق المتابعة بمزيد من التركيز
كيف أمكن للهواء أن يتحرى لحظة السخونة هذه
ما الذي وجَّهه إلى جهتك وأنت تعيشين وحشة شبه قاتلة
كيف أمكن لثانية من الزمن أن تزيد في لهاث الهواء نفسه
أن ترتفع درجة حرارته بما لا يقاس
كيف عاش الهواء كل هذه المغامرة
حيث جسد محاصر بالعزلة ينتظر هواء مشبَع بالأوكسجين
حيث تكونينه أنت يا المثقَلة بحمَى المحيطين بك
منذ متى وأنت تنتظرين طارقاً من لحم ودم...؟!
Previous entry in series إبراهيم محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى