بقت مكواج انقويك - الافريقي المجنون... قصة قصيرة

فر من بلاده و نجا من الموت باعجوبة كاد ان يقتلوه لانه لم يتحمل النفاق و يمسك فاه من انتقاد نظام ظالم لم يستطع ممارسة النفاق كي يمدح الفاسد و يشكر الجائر و يتملق للمستبد فاستدرجوه في فندق جميل المنظر بالخارج و من داخل يمتليئ كل اركانه بالخوف و الذين يديرون ذلك الفندق اياديهم ملطخة بالدماء و لا تعرف الرحمة طريق الى قلوبهم فنشر الخوف و الرعب فنون تدربوا عليها و صراخ الضحايا بالنسبة اليهم موسيقى يتردد صداها في اذانهم كنغمات بيتهوفن الشهيرة ...عندما نجا من الضيافة و لم ينتقل الى العالم الاخر فر بعيدا الى بلاد افريقية اخرى املا ان يجد الامان المنشود . ..لم يكن هنالك تهديد و شيك لحياته فحياته لا تساوي شئ هنا ليهدر و بما ان حياته لا تساوي شئ امام سكان هذا البلد الجديد فان كرامته لا شئ ايضا فلقد راى العجب عندما استخدم المياه لاهانته فلم يكن يدرك ان الماء يمكن ان تتحول الى وسيلة فعالة للاهانة تمنع النوم من عينيه عندما يعيد لقطات من الحدث فهو كان يمشي على الرصيف مثل اي شخص اخر لكن لانه كان اسودا بما يكفي لرؤيته بوضوح بين المارة فقد تم سكب ماء من فوق العمارة مباشرة على راسه لتغطي الماء ملابسه و يتبلل جسمه تحت الملابس و لم يرى شخص ليلومه او يصرخ فيه او يكتفي بالنظر اليه بالغضب و ازداد غيظا عندما ضحك المارة على ما حدث له ...فعرف ان الوضع ليس كما كان قديما في عادات قبيلته النيلية فالماء لم يعد مصدر البركة و الحياة انما وسيلة للاهانة فقرر ان يترك افريقيا برمتها و يركب امواج البحر فاذا ابقته الامواج على قيد الحياة فهو المنتصر و اذا مات بين احضان الامواج فهو المنتصر ايضا فانه كان يفضل الموت على العيش بين اناس يظنون اهانة الغريب جزء من التسلية تخفف صعوبة المعيشة و قسوتها..و بما ان رهانه كان على الانتصار في الحالتين فقد انتصر ووصل الى ارض الاحلام و لم يضع في حسابه ان بعض الاحلام قد تكون كابوسا لا تستطيع الخروج من دوامتها ...اثارت روايته لما حدث له في بلاده تعاطف كبير في القارة العجوزة و حصل على وضعية خاصة كلاجئ و اعطوه فرصة كي يدرس و اعطوه فرصة كي يحصل على العمل فعاش الرفاهية و جرب حياة الترف و كي يقطع صلته بافريقيا تزوج من هنالك و قال لها لا تقلقي فانا باق هنا لن اذهب الى بلادي مرة اخرى فقد غادرتها دون خطط للعودة نعم لن اعود و لن اعود ...فاغلقوا تلك الصفحة الى الابد ... و توقع و انتظر ميلاد طفل جديد يبعث الفرحة في نفوسهم و مرت سنين و لم تحمل زوجته ابدا فطلب منها استشارة الطبيب في الامر فقالت له لا داع لاستشارة الطبيب و فر النقود لشي اخر اكثر اهمية ...فقال لها و ماذاعن تاخر الحمل؟ فقالت حبيبي انا لن احمل ابدا فانا متحولة... نعم كنت مثلك تماما و لم يعجبني ذلك فتحولت الى هذه السيدة الفاتنة التي هي امامك الان و التي احببتها و اصبحت زوجتك ...ثم اردفت... اليس ذلك امر رايعا؟ فوقع في صدمة ثم فقد الوعي ثم وقع في غيبوبة و عندما عاد قلبه ينبض مرة اخرى بانتظام لم يستطيع عقله حساب الاشياء بانتظام فاصبح يطلقون عليه لقب الافريقي المجنون ...لم يجد مكان افضل يعيش فيه في عوالمنا الثلاثة.


13-8-2017 Cairo.

بقت مكواج انقويك
  • Like
التفاعلات: أمل الكردفاني

تعليقات

رغم ان القصة في بدايتها كانت تقليدية جدا إلا أن نهايتها الرائعة حملت رمزية عالية جدا ، جمعت بين كونها مفاجأة للبطل ، وفي نفس الوقت ضياع هوية البطل بين ثقافات لا تمثل هويته ، هذه القصة قريبة جدا من (من حيث الرمزية وليس الموضوع) من قصة عالم جديد وشجاع لالدوس هكسلي ، حيث فقد بطل القصة اتساقه الهوياتي مع العالم الجديد ففضل في النهاية الانتحار. ان العوالم الثلاثة التي لم تتفق وهوية البطل وخصوصيته الثقافية ، افضت به الى فقد عقله واعتقد ان هذه نهاية افضل من نهاية عالم جديد وشجاع .
 
أعلى