نجم الأميري - حدث في بارليف.. قصة قصيرة

اعتلت (راشيل) برج المراقبة للمرة الأخيرة، ووضعت المنظار المقرب على أنفها المعقوف وصوبته اتجاه الغرب، ثم نادت بأعلى صوتها : –

شالوم.. شالوم، أرى كل شيء هادئ في الضفة، يا حبيبي. ثم هبطت مسرعة واقتربت منه وكان يدير قرص الهاتف ويصغي بانتباه.

– آلو.. مامي.. هنا (شالوم) أتمنى لك عيدا سعيدا.

– آلو.. العرب.. لا.. لا.. اطمئني، كل شيء هادئ، وسنحتفل هذه (ليلة الغفران).. أرفوار..مامي.

فرك يديه ابتهاجا وهو ينظر بنهم صوب زجاجات الويسكي المصفوفة فوق المائدة في الموقع الحصين من (خط بارليف) وفي الوقت نفسه انهمك (ايزاك) في حلاقة ذقنه وهويصفر لحنا راقصا.

وأخذ (جوزيف) يفتح علب الطعام ويتذوقها بتلذذ، أعاد اليه ذكرياته حينما كان نادلا في حانة (ماريكا) في (تل أبيب).

لقد امضوا عدة أيام في الأعداد لهذه الليلة..

وقد اكتملت سعادتهم بأنضمام المجندة (راشيل) الى مجموعتهم مؤخرا.

بدأ المذيع يستعرض حالة الطقس، في جبل الشيخ (26 درجة) في الجولان (19 درجة) وفي خليج السويس (28 درجة). ثم أنسابت موسيقى صاخبة أضفت جوا من المرح والرغبة وهم يتابعون اهتزازات جسد (راشيل) المكتنز.

دارت الكؤوس وسط جو صاخب وتحول – بارليف – الى حانة وحينما سرت النشوة، أخذت أحاسيسهم تتبلد، وشعروا بخدر لذيذ في اطرافهم.

فجأة اتسعت حدقتا جوزيف وهو ينظر في كأسه، جاحظ العينين وأهتز بهستيرية صارخا،

– يا للعرب، القتلة، سأشرب من دمائهم جميعا.. والى الجحيم. وتلاحقت أنفاسه وأخذ يلهث من الجهد الذي بذله في اخراج كلماته المتناثرة، وخار كالثور الهائج، ثم خفت خواره وارتشف من كأسه عدة رشفات سريعة.

انتبه شالوم لكلمات جوزيف، وطلب من أيزاك أن يصعد الى برج المراقبة ويلقي نظرة على ضفة (القناة) حيث يكمن العرب..

تثاءب ايزاك بكسل قائلا : –

– كل شيء هادئ، ورفع كأسه عاليا وهو يقهقه في صخب وجاراه الجميع في صخبه..

وهناك ومن بعيد، كان كل شيء يتحرك بأنتظام.

عيون المقاتلين تلمع وسط الظلام، تنتظر ساعة الصفر..

تقدم الملازم بكامل بزته القتالية وأنتصب مرفوع الرأس يؤدي التحية العسكرية..

– لقد انتهينا من نصبها.. سيدي.

– والسواتر الترابية.؟

– لقد جرفتها خراطيم المياه…سيدي.

نظر القائد لساعته وقرأ أرقامها الفسفورية وهمهم مع نفسه قائلا : –

– ما شاء الله، يا للسرعة الفائقة، والمقدرة العجيبة..

كل هذه الجسور تنصب مرة واحدة وفي مثل هذا الزمن اليسير،

أنها (والله) لعلامة النصر.

التفت الى اركانه، محدقا في عيونهم وكأنما يقرأ أفكارهم،

وارتفع صوته كالزئير (الله أكبر) ايعازا بالعبور..

أوشكت الزجاجات المصفوفة على المائدة على الأنتهاء في المخبأ الحصين..

أدارت المجندة راشيل ما في الزجاجات من بقية في الكؤوس الفارغة ورفعوا كؤوسهم عاليا وفجأة انقض عليهم ثلاثة من المقاتلين، كأنما قذفتهم السماء..

تهاوت الكؤوس من هول المفاجأة والرعب.

صرخت راشيل، فانتبه شالوم ومد يده صوب رشاشته،

فعاجله قائد المجموعة بوابل من الرصاص ثم أنهمر عليهم الرصاص من كل جانب..

كل شيء هادئ.. قالت راشيل.. رددها شالوم بوهن.. وأغمض عينيه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى