عبد القادر وساط - ما جرى لوزير الألوان مع طاغية نجدان

جاء في كتاب " إتحاف الخلان ":
أخبرنا محمد بن مكرم الصولي، عن مروان بن مسافر الخولاني، قال: أنبأنا شيخنا أبو الفضل النجداني، قال:
حل الطاغية يوما بمقر وزارة الألوان، في وسط نجدان العاصمة، فرأى على بابها لافتة عريضة كُتب عليها بخط جميل بيتُ الشاعر الحسين بن مطير:
بصُفْر تَراقيها و حُمْر أكُفّها = و سُود نواصيها و بيضٍ خدودها
فلما جلس في القاعة الفسيحة المخصصة له بالوزارة، قال لصاحب شرطته:
- عليَّ بوزير الألوان!
فلم تمض إلا ثانية حتى جيء بالشيخ أبي الفتح غانم بن حصين التميمي الهجيمي، الملقب بجَناح النملة، وفرائصه ترتعد من الخوف، فلما مثل بين يديه نظر إليه المستبد نظرة مثقلة بالوعيد ثم قال له:
- يا وزير الألوان، أراك لا تعرف قطاتَك من لطاتِك!
فارتبك الوزير الشيخ ارتباكا لا مزيد عليه وبقي واقفا دون حراك، وقد طأطأ رأسه، وشبك يديه خلف ظهره، فعاد الطاغية يخاطبه بقوله:
- ألم تجد بيتا شعريا تزين به مدخل الوزارة، غيْر بيت هذا الأعرابي الجلف؟ أنسيتَ أنه أسديّ، وأن بني أسد يكنون لنا العداوة منذ القدم ويتمنون زوالَ مُلكنا وذهابَ طغياننا وسقوط دولتنا؟
قال الشيخ جناح النملة الهجيمي:
- الحق أني لم أنتبه للأمر، يا مولاي الطاغية، وإنما أعجبني البيت لما فيه من وصف جميل للمحبوبة ومن ذكْر بديع للألوان، فقلتُ أتخذه شعارا لهذه الوزارة التي هي وزارة الألوان، ولم أفطن إلى كون صاحبه من بني أسد. وكنتُ قد اخترتُ قبل ذلك - أدام الله استبدادكمْ - بيتَ ابن المعتز:
( و رنا إليّ الفرقدان كما رنتْ = زرقاء تنظر من نقابٍ أسْوَدِ)
لكني صرفتُ عنه النظر لما أعرفه عنكم من نفور من شعر هذا الشاعر العباسي.
قال الطاغية:
-كان عليك، أيها الشيخ الوزير، وأنتَ المنتسب إلى بني الهجيم أن تختار قول الشاعر:
و بنو الهجيم قبيلة ملعونة = حصُّ اللحى متشابهو الألوان
لو يَسمعون بأكلة أو شربة = بعُمان أصبح جمْعهمْ بعُمانِ
قال شيخنا أبو الفضل:
فتظاهر الشيخ جناح النملة بأنه لم يفهم قصد الطاغية وقال له:
- و قبل ذلك كنتُ قد عزمتُ على اختيار بيت لعلي بن الجهم عن الألوان، ثم تذكرتُ رأي مولانا المستبد في شعر هذا الشاعر فعدلت عنه.
قال الطاغية:
- فاعلم أيها الشيخ أن للشاعر علي بن الجهم بيتا شعريا أحبه وهو قوله عندما زُجّ به في السجن:
فلا تجزعي إما رأيتِ قيودَهُ = فإنّ خلاخيلَ الرجال قيودُها
وأراك في حاجة إلى خلاخيل الرجال هذه، وسوف تعرف ملمسها بحول الله في سجن الكثيب الذي سنسيرك إليه غدا، جزاء غفلتك. فإذا وصلتَ هناك وألفيتَ نفسك في زنزانة معتمة، فلا تنس أن تتمثل ببيت آخر من شعر ابن الجهم و هو قوله:
ذكرتُ أهلَ دُجَيلٍ = و أينَ مني دُجَيْلُ ؟
ثم إن الطاغية أشار إلى صاحب شرطته فاعتُقل الشيخ جناح النملة في الحين واقتيد إلى أقرب مخفر، في انتظار نقله إلى الكثيب.
قال الشيخ أبو الفضل:
ولم تمض أيام حتى أمر الطاغية بتعيين وزير جديد للألوان ، هو الفقيه الحافظ المفسر الشيخ عاصم بن قيس بن قصي الغنوي، الملقب بِنَار الكَيّ، فذهبتُ في جماعة من الشيوخ لتهنئته، فوجدناه قد دعا أمهرَ خطاطي نجدان و أمرهم بكتابة قوله تعالى في سورة الروم ( و منْ آياته خَلْقُ السماوات و الأرض و اختلافُ ألسنتكم و ألوانكمْ إنّ في ذلك لآيات للعالمين ) وقوله تعالى في سورة فاطر ( و من الناس و الدوابّ و الأنعام مختلفٌ ألوانُهُ كذلك إنما يَخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ). وذلك لوضعهما مكان البيت الشعري الذي كان قد اختاره الوزير المعتقل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى