قصة ايروتيكة جورج سلوم - مداخلات متداخلة

هذه ليلتها .. ليلة دُخلتِها .. ويقولون يدخلُ عليها .. وشرعاً يدخل بها .. إن هذا الدّخول بحدّ ذاته هو ما يُخيفها .. والإدخال يُقلقها .. بل ويؤرّقها .. أنه تداخلٌ عليها وتدخّلٌ بها .. ولذا كانت متداخلة في بعضها ..

ليس كإدخال السيف في غمده فذلك إخمادٌ للحرب .. وليس كإدخاله في الخصم فذلك طعن ٌ.. ولو جمعتها بالتأنيث صارت طعناتٍ بمعنى التكرار .. ولو جمعتها بالتذكير صارت طعوناً بمعنى الرفض .. والزواجُ عندها طعناتٌ وطعون

ليس الأمر كما سبق.. والمداخلة السابقة لم تدخل بنا إلى لبّ الموضوع

قد يكون أشبه بغمس الريشة في دواتها فتبدأ بالكتابة .. لكنّ الريشة تكتب أيضاً بأيّ حبرٍ يبلل سنانها ولو كان دماً ..

وصوت الريشة تحكّ الورق هو صرير .. والصرير أيضاً صوت باب ٍ يفتح ومفتاحٍ يحتكّ بجدران القفل . و.. و

وتدخّل الناقد متداخلاً :

-ادخل فوراً بالموضوع .. مقدمتك طويلة مترددة متخبّطة .. وإدخالاتك حشوٌ للجمل وأمثلتك لا تناسب الفكرة .. واضحٌ منذ البداية أنّ بطلتك تريد استعمال القفل والمفتاح كتشبيهٍ للزواج .. وصوت المفتاح في القفل قلقلة وليس صريراً إن كنت لا تدري .. نعم ادخل بالنَّص فوراً وإلا سحبنا مفتاحك منك

وتابعتُ الدخول متهيّباً فقد بتر الناقد مقدمتي كمن يجزّ ناصيتي ..قلت:

-القفل والمفتاح وتداخلهما الفريد هما الزواج بعينه

فالمفتاح له ارتباط ٌ وثيق بالقفل .. خُلقا معاً .. فلم يخلق الله قفلاً إلا وصنع له مفتاحاً .. والأمر المُقلق لها .. هل اختارت المفتاح المناسب؟

عندها استرخى التقطيب في حاجبي الناقد .. واختفى الازورار من عينيه .. كأنني دخلت إليه من بين عينيه .. أو تدخّلت عليه ..فتابعت دخولي :

- حسناً .. لماذا لا يكون الزواج روحياً ؟.. كتمازج الأرواح السماوية في الفضاءات الرّحبة .. تتراقص بحرّية حول بعضها كالشذى ..

لماذا لا يكون فكريّاً ؟.. بتلاقح الأفكار .. وشعرياً بتناشد الأشعار

لماذا يكون ماديّاً ؟.. إذ يدفع لها ثمناً كعاهرة

لماذا يكون ارتباطاً جسدياً أشبه بالإعتقال؟.. شبكة للصيد .. و محبس للحبس ..ثم يدخل عليها .. وبها .. فتحٌ ونكحٌ ووطءٌ.. ويكون متكرراً حتى نكاح الوداع!

ألا يملّ القفل مفتاحه الأوحد؟..

وهل استنساخ مفاتيح عديدة لقفلٍ واحد جريمة أو خيانة ؟

بعض الأقفال يغتصبها لصٌّ بسكين .. أو يخلع الباب خلعاً ..

وليلة الدخلة ليست فتحاً لقفلٍ بكرٍ فحسبْ .. وإنما تراكبٌ أوليّ.. وتناغمٌ جدُّ جميل بين أسنان المفتاح والقفل .. فيدور المفتاح وينفتح القفل بلا استعصاء

وهنا تدخّل الناقد أيضاً وقال:

-أحياناً الباب المُقفل أو المهمل منذ زمن يطالب بالمفتاح مطالبةً .. يتلقّفه كالمتضوّر جوعاً.. والمتلهّف للماء عطشاً .. حتى لا يأكله الصدأ

وعادة ما يصبح الأمر روتينياً فيما بعد

لم أبالِ بمداخلته فتابعت قصّتي :

-عندما نظرَتْ في المرآة للمرّة الأخيرة .. وكأنها تودّع وجه العذراء الذي لم يمسُسْه رجل .. قرصَت شفتها البكر التي لم يقبّلها أحدٌ بعد.. كلها أقفال بحاجة للفتح والتقصّي .. واستكشاف ما يليها .. وإلا ستبقى كغابةٍ بكر مجهولة لم يدنّسها المستكشفون .. أو محميّة متروكة للطبيعة

والمرأة تعتبر نفسها محاطة بسورٍ له عدة أبواب .. ويُخطئ معظم الرجال إذ يظنّون أنّ لها باباً واحداً .. فيشهرون مفتاحهم الموروث ويودي بهم فقط إلى غرفة النوم .. والبيت فيه غرف كثيرة ويبقون فيها ضيوفاً

نعم .. آلاف الأبواب تُفتَح كلّ يوم ... والأمر أقلّ من عادي.... ولكن من يمتلكون البيت بكامله قلائل .. ولو كان معهم صكّ ملكية للبيت وأثاثه.. وورقة من المأذون تبرر امتلاك الزوجة .. المشكلة أنهم فشلوا في اختيار المفتاح .. لم تتطابق أسنانه مع أسنان القفل بشكل سلس ..

ولو استمرّ ذلك .. وظلت الأبواب تُفتَح عنوة .. سيحدث الطلاق

لماذا لا يسمح الشرع بتجربة المفتاح قبلاً ؟..

هكذا قالت لنفسها .. دفعاً لتلك الريبة وذلك القلق في ليلة الدخلة .. والله لو سمحوا بذلك لتراجعت نسب الطلاق غير المفسّر

ويظنّ الرجل أن العيبَ في المفتاح .. فيدهنه بحبة زرقاء .. هكذا علّمه أصدقاؤه رواد المقاهي

هنا أخذ الناقد يتلاعب بمجموعة مفاتيحه .. ولفت نظري ذلك كأنني وضعت يدي على جرحه .. فتابعت تحريك مفتاحي يمنة ويسرة وإقبالاً وإدباراً .. عسى أن تنفتح أقفاله أيضاً .. وقلت:

- لكنّ المفتاحَ مستمرٌ بالصرير .. وسرير الزوجية ينام على شخير

أسوار عكا لم تصمد أمام المنجنيق .. فالقذف من فوق الأسوار يدمّر البنيان الداخلي .. دعوهم يدخلون من الباب الذي يعرفون وكفاهم تدميراً للبنية التحتية والنفسية

والقفل والمفتاح لمّا ينطبقان .. أسنانهما غير متوافقة .. وينفتح القفل على مضض.. يضعون زيوتاً ومزلّقات .. ومطرّيات للمعوقات .. ومهدّئات للمُعيقات..

شيئٌ ما مُعيق في داخلي .. هكذا قالت وما زالت تقول

وكتاب الحب بينهما .. بلا عنوان ولا تعليق

ولو أتاها بالغزل الرقيق ..

لا لم تعد تطيق

كالولد العاق .. والضرب يذلل عقوقه ..تلك بعض أدبيات تطويع الزوجة

افتح .. ما أنا بفاتح .. أنا القسطنطينية الحصينة وأنت لست محمد الفاتح !

هذا ليس مفتاحي

ويجيب هولاكو الذي فتح أكثر من مدينة:

- المفتاح مصنوع لأقفالٍ أربعة شرعاً .. تذكّري ذلك يا بغداد !

وكنت صديقاً مقرّباً منها روحياً .. وعاطفياً .. وشعرياً .. كزملاء تجالسوا على مقاعد الجامعة .. وكان معي مفتاحها النفسي الذي يجعلها تطير كالعصفورة .. ونغرد معاً على الغصون .. فتُسقِط لك فوراً كل الأسوار والقلاع والحصون

كانت مغارة علي بابا .. وكنت أقول لها .. افتح يا سمسم !

هذا هو مفتاحي

وكم حاولتُ إعطاء ذلك المفتاح لزوجها عالماً بأنه سحريّ ويفتح كل أقفالها .. ولكن الزوج كان معتزاً بمفتاحه الجسدي .. ولا يعرف غيره ..

وفي مقهى الحي يعلّم الرجال بعضهم فنون الزواج الناجح .. يعترفون بالقفل والمفتاح ووجوب تطابقهما .. لكنهم يظنون أنّ تغيير وضعيات الجماع التي يقرؤون عنها كثيراً .. هي اللغز الذي يفسّر الانطباق التام بين القفل والمفتاح .. ويبقى مركز ثقل معظم الرجال وتفكيرهم في ذلك المفتاح العزيز!

والمفتاح رمز السطوة والسلطان .. ولذلك يهدونه للملك الغازي بإذعان كعربون لامتلاك مدينتهم بلا قتال .. وحفلة العرس باختصار ليست إلا إيذاناً بالفتح يكتبه المأذون .. وتقبل به العروس وذويها .. يسلّمون القفل للعريس جديداً لمّاعاً ويزيلون عنه الشمع الأحمر .. لكنهم لا يعطونه المفتاح ..وكل رجل يثق بمفتاحه!!

يراجعونني كطبيب متسائلين عن طوله .. وكيفية إطالته

وقطره .. ولون عينه الوحيدة .. وقد يضعون عليها عدسة لاصقة ملونة

ويعبّون العسل الذي يُخرج العسيلة

لكن مفتاحكم مهما طال وانتفخت عروقه لن يصل إلى قلب المرأة .. ولو حاولتم الدخول إليها به من كل فتحاتها الشرعية

المرأة العفيفة تنفتح ببطاقة إلكترونية وعليك فهم شيفرتها .. وتلك البطاقة إن حللت طلاسمها ستدخلك إلى رصيدها البنكي وتنفتح لك خزائنها .. وإلا سينفجر جرس إنذارها ويسمعه جيران البيت

أما الزوج فيريد زوجته كالسيارة الحديثة .. يفتحها ببصمة إبهامه أو بأمره الصوتي

تهددون بتغيير القفل والشرع يتيح لكم ذلك ...

وكنت سأتابع لولا أن تدخّل الناقد مقاطعاً:

- مهلاً.. دعني أكيل لك بمكيالك .. قصتك إن سُمّيَت قصة .. فهي وصفٌ للقفل والمفتاح .. والباقي ندبٌ ورثاء لصاحبة القفل الذي تحنّ إليه .. تريد أن تجعله ضحية للمفتاح المغتصب

تريد أن تجعلها مقالة أدبية .. وهي أشبه بسرد صحفي في صفحة الحوادث اليومية .. تذكّرني بشَعرٍ يشكو مشطه الذي يسرّحه إذ تدخل أسنانه بين خصلاته .. ولكن الشعر يغضب وينتفش إن غاب عنه المشط!

قفلكَ جوّاعٌ للمفاتيح ولو بدا لك صوّاماً .. ميّالٌ لها ويسيل لعابه

قال ذلك .. وما زال يتلاعب بمجموعة مفاتيحه



د. جورج سلوم

******************

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى