عبد القادر وساط - خطبة الطاغية في افتتاح المؤتمر الأول لنحاة الكوفة، بقاعة " التوابع " بنجدان العاصمة

حضرات السادة نحاة الكوفة،
معشر الحاضرين الكرام،
أتشرف بافتتاح مؤتمركم الأول هذا، الذي ينعقد على أرض نجدان العريقة،
ولستُ أكتمكم - أيها السادة - أنني أجد صعوبة في الكلام، وأنا أرى شيوخنا الأجلاء من علماء الكوفة، جالسين أمامي، في هذه القاعة، بعد أن تجشموا عناء السفر من أزمنتهم السحيقة، وجاؤوا للمشاركة في هذا المؤتمر التاريخي. ورحم الله أبا الطيب المتنبي - ابن الكوفة البار - الذي قال:
و رأيتُ كلَّ الفاضلينَ كأنما = ردَّ الإلهُ وجوهَهُمْ و الأعْصُرا
أجل أيها السادة، إن العبارة لا تسعفني، وأنا أرى أمامي هذا الجمع المبارك من العلماء والنحاة الفاضلين. أرى شيخَنا الجليل أبا الحسن الكسائي، مؤدب هارون الرشيد وابنِهِ الأمين، وأحد القُرّاء السبعة، بل إمام القراء بعد حمزة ، عالم أهل الكوفة وإمامهم غير مدافَع وقد كان البصريون أنفسهم يشهدون أن هذا الشيخ الجليل ، الذي تَعلمَ النحو على كبَر - والذي يَعرف لأي علة هُمزَ الذئب - كان من أكثر الناس رواية وأوسعهم علما.
وعن يمينه، يجلس شيخنا أبو العباس ثعلب، الثقة، الحجة، الصالح، الدَّيِّن، ذو الحافظة التي لا تُضاهى، والذي كان يَكتب ( الضحى) بالياء، رغم أنف المبرد البصري. و قد بلغَ من تواضعه أنه قال يوما لأبي بكر بن مجاهد: " يا أبا بكر، اشتغلَ أصحابُ القرآن بالقرآن ففازوا، واشتغلَ أصحابُ الفقه بالفقه ففازوا، واشتغل أصحابُ الحديث بالحديث ففازوا، واشتغلتُ أنا بزيد وعمرو، فليت شعري ماذا يَكون حالي في الآخرة؟"
وعن يسار شيخنا الكسائي، يجلس أبو زكريا الفرّاء، صديق الجاحظ، وصاحب الكتب في معاني القرآن وعلومه، ومصنف كتاب " المعاني "، الذي لولاه لسقطت العربية. ويروي الإمام جلال الدين السيوطي أن الخليفة العباسي المأمون أمرَ عالمنا الجليل أبا زكريا الفراء أن يؤلِّفَ ما تُجمعُ به أصولُ النحو وما سُمعَ من العرب، وأمرَ أن يُفْرد في حجرة من حُجَر الدار و وكل به الجواري والخدم للقيام بما يحتاج إليه حتى لا تتشوف نفسه إلى شيء وصيّرَ له الوراقين وألزمه الأمناء والمُنْفقين، فكان يُملي والورّاقون يكتبون حتى صنّفَ كتابَ " الحدود " في سنتين!
وأرى كذلك، بين المؤتمرين الأجلاء، الرجل الصالح، الشيخ محمد بن الحسن الرؤاسي، أستاذ شيخنا الكسائي وشيخنا الفراء ،و مؤلف كتاب " الفيصل". وهو أول كوفي يضع كتابا في النحو.
وأرى الشيخ الأحمر، الذي انتقل من حياة الجندية إلى حياة العِلْم، فلزمَ أستاذَنا الكسائي وسار في ركابه.
وأرى أيضا الشيخ يعقوب ابن السكيت، والشيخ أبا عبدالله الطُّوّال، والشيخ هشام بن معاوية الضرير، وكل علمائنا الأفاضل.
حضرات السادة،
لقد اتهمكم شيوخ البصرة بعدم خلوص العربية فيكم، كما اتهموكم بأنكم انصرفتم إلى رواية الأخبار والأشعار أكثر من انصرافكم إلى النحو، وزعموا أنكم بنيتم نحوكم على القياس وتساهلتم في الرواية، وأنكم استفدتم من حظوتكم لدى الملوك لبسط آرائكم في النحو، إلى غير ذلك من الأباطيل.
وقد دعونا هؤلاء الشيوخ البصريين ليلا ونهارا، وأسررنا لهم، ودعوناهم جهارا، كي يقلعوا عن غيهم ويوقعوا على المحاضر ويعترفوا بالنحو الكوفي الذي هو النحو الرسمي لبلاد نجدان، لكنهم لم يزدادوا إلا عتوا واستكبارا.
وهكذا رفضوا الاعتراف بأن المصدر مشتق من الفعل وبأن ( سوى) تكون اسما وتكون ظرفا وبأن اللام الأولى في ( لَعَلَّ) أصلية، وبأنه يجوز لنا أن نقول ( الخمسة العشر الدرهم ). كما رفضوا أن نجمع طلحة على ( طلحون) - وفق ما جرت عليه العادة في الكوفة وفي نجدان - وامتنعوا عن الإقرار بأن ( لولا ) ترفع الاسم بعدها، وأن (نعْمَ ) و( بئس ) اسمان. كما رفض هؤلاء الغاوون البصريون الاعتراف بأن أخوات ( إنَّ ) لا ترفع الخبر، لأن الخبر كان مرفوعا قبل دخولها.
وقد كان من الطبيعي، والحالة هذه، أن نأمر باعتقال هؤلاء الشيوخ الضالين وأن نضعهم في سجن الكثيب، وفق ما تمليه مصلحة الأمة.
وسيكون بوسعكم - حضرات الشيوخ الأجلاء - أن تقوموا بزيارة لهذا السجن، بعد انتهاء مؤتمركم، حتى تطلعوا بأنفسكم على عظيم إنجازاتنا في التنكيل بأعداء نجدان.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى