إبراهيم محمود - الشبّاك - قصة

منه كان يأتي الضوء، ويُرى الناس والشجر، وتُسمع حركات شتى، منه كان يظهر الظلام وصمت المخلوقات.
كان منخفضاً، يكاد يلامس الأرض، وعبره كان يُرى العالم الممتد من ثلاث جهات، عبره كان يُعرف ما يجري داخل الغرفة في الطرف المقابل. عند حلول الظلام، وإضاءتها. دائماً وجِدت يدٌ كانت تفتحه للنظر والسمع عبره وتغلقه.
***
كثيراً ما كانت أمه تبعده عنه، حيث تهب الريح، إنما أيضاً كانت تحمله عالياً وتلصقه بزجاجه، وتارة، وهي تفتحه، تلصق وجهه بغرباله وهو يمتلىء مرحاً .
***
بيده يفتحه، بيده يغلقه، حيث استقام عوده، كان يذرع الغرفة أحياناً جيئة وذهاباً، إنما أذنه على الخارج عبره، وهو مفتوح، حيث يمتزج الضوء أو النور بالضوضاء، وترتسم أشكال على أرضية الغرفة، والعالم يتنفس ملاصقاً له، وهو داخله .
***
يجلس أمامه ويده تقبض على ضلفته. تلك هي عادته اليومية، لمرات عدَّة، ويقطع أنفاسه وهو ملاصق له، كأنما يحتضنه. تلك هي عادته معه، وكان يُرى من الطرف الآخر بوضوح، وقد نبتت ذقنه وأطلق شاربه.
***
عفوياً، كان يفتحه ويغلقه صباح مساء، أو عندما يشعر بذلك، وبدا أنه يتجاوب معه فتحاً وإغلاقاً، وهو ممتلىء قوة، حيث عيناه تركزان عبره على الخارج الذي لم يكن هو نفسه صباح مساء، يشعر أحياناً بالرغبة في إطلاق نفسه خارجاً ليحلّق عالياً. أنّى له ذلك، وهو يحاول ويحاول داخله، ثم يعود إلى رشده ويسلّم نفسه له، ولما يأتيه عبره من صوت ولون ورائحة، وكان يرُى كعادته من الطرف المقابل في كل حركاته.
***
يمسك ضلفته بيد مرتجفة. رأسه اشتعل شيباً، وجهه انفجر غضوناً، بالكاد كان يبصر هو خارجه، إنما كان هبوب الهواء، وعبور الضوء يشدانه إلى خارجه، فيفتحه قليلاً ويغلقه أكثر.
***
حملوه من الغرفة، أطفأوا الضوء، وأخذوه إلى حيث مثواه الأبدي. في الطرف المقابل لم يُكن يُرى سوى ظلام الغرفة، لم يكن هناك سوى الصمت، الشيء الوحيد هو استمرار اصطفاق الشباك بشكل غير منتظم، في الليل خاصة، وتبعاً لمتغيرات الطقس خارجاً، وعويل الريح. لم يكن هناك من يد توقِف حركته .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى