أحمد الملك - محمد لن يقذف الغرباء بالحجارة.. قصة قصيرة

جلس سليمان بجانب سرير ولده المريض ووضع يده علي جبهته الملتهبة بالحمي وبدأ يقرأ بعض الآيات القرآنية، كان ضوء القمر الكامل يضئ الفناء الواسع فيما بدت اشجار النيم الضخمة التي تحيط بالفناء كأنها أشباح ضخمة تبحر في عمق الليل، الهواء المشحون برائحة موسم الدميرة كان يحمل اصوات الصبية الذين يلعبون علي ضفاف نهر النيل، وكانت تسمع من علي البعد كلما تغير اتجاه الريح صوت انغام طمبور بعيد،
احضرت ام الصبي قطعة قماش مبللة بالماء وضعها الاب فوق جبهة الطفل الذي كان يرتفع بين الفينة والاخري صوت تنفسه المضطرب قال الصبي : ابي حينما تزول الحمي هل ستسمح لي بالعودة للمدرسة؟ وقال الاب وهو يحاول ان يبدو متماسكا : نعم يا محمد ستعود الي المدرسة وسوف ادفع لك كل النقود التي يطلبونها منك حتي لا يطردونك من المدرسة مرة اخري . واذا نجح الموسم الزراعي هذا العام سوف اشتري لك حمارا قويا بدلا من حمارك الصغير الذي مات في العام الماضي .
وقال الصبي ابي سوف اصبح ولدا طيبا، ولن اشارك مرة اخري في قذف الغرباء الذين يعبرون ليلا بالحجارة، هل ستسمح لي يا ابي بحلب البقرة؟ وقال الاب نعم يا محمد انت من سيحلب البقرة فأنا كما تري اصبحت عجوزا وانت سوف تصبح رجل البيت وسوف تعتني بي وبأمك واختك الصغيرة فاطمة .
احضرت الام مغلي الحرجل والعرديب وفي تلك اللحظة سمع سليمان صوت طرقات علي الباب، وجد شيخ النور رئيس اللجنة الشعبية، دعاه للدخول لكنه رفض متعللا بأنه ذاهب ليؤدي صلاة العشاء، قال : عرفت انك تسأل عني هل تريد خدمة ما ؟ قال سليمان اريد بيع البقرة . اطرق شيخ النور وقال سأدفع ثلاثمائة ألف جنيه، قال سليمان : انت تعلم ان بقرتي تساوي ثلاثة اضعاف هذا المبلغ وأنني رفضت بيعها في الشتاء المنصرم بضعف هذا المبلغ . بدا شيخ النور متعجلا وقال : اسف هذا اقصي ما استطيع دفعه، فكر سليمان قليلا وقال حسنا متي يكون المبلغ جاهزا، قال شيخ النور يوم الجمعة، اعترض سليمان اريد ان اذهب بابني الي المستشفي غدا والا ما بعت البقرة .فكر شيخ النور ثم قال لا مشكلة سأرسل لك نصف المبلغ مع ابني بعد صلاة العشاء ارجو ان تسلمه البقرة .
في الداخل وجد سليمان محمد يفرغ جوفه بعد ان شرب مغلي الحرجل والعرديب، غسل له وجهه واعاد وضع قطعة القماش المبللة علي وجهه فيما كان الصبي يهذي من الحمي قالت الام : الم تجد احدا ترسله لاحضار المساعد الطبي فقال سليمان لا فائدة انه لا يستطيع عمل شئ غدا سنذهب الي المدينة، فقالت بحزن ومن اين حصلت علي المال ؟
بعت البقرة، بدت الصدمة علي وجه المرأة وفي اللحظة نفسها تعالي صوت طرقات علي الباب، تسلم سليمان النقود من الصبي ووضعها في جيبه دون ان يعدها، ثم صحب الصبي ليسلمه البقرة، بدت له الدنيا في الخارج موحشة حتي انه شعر بالخوف، في الحظيرة التي باتت خالية الا من البقرة التي ورثها عن والده، شعر كأن والده كان يموت مرة اخري في تلك اللحظة وهو يتخلي عن آخر تذكار له. فك الحبل الذي يربط البقرة وسلمه للصبي، الذي سحب البقرة واختفي في اجمة نبات الحلفاء الغارقة في ضوء القمر . بقي سليمان واقفا للحظة لا يعرف ماذا يفعل حتي نبهه مذاق الدموع الساخنة التي تسربت الي فمه فسحب اقدامه عائدا للبيت .
لدي عودته وجد زوجته في مكانه تضع يدها علي جبهة الصبي وقالته له : الم تجد طريقا اخر غير بيع البقرة، طوح جسده علي بساط بجانب سرير الصبي وقال بتثاقل : لن تكون البقرة اغلي من محمد .
استغرق في النوم وهو يستمع الي هذيان محمد : سأكون ولدا طيبا يا أبي.. لن اشارك في قذف الغرباء بالحجارة، ولن اذهب مرة اخري مع اصدقائي لسرقة البطيخ، كان صوت شخير والده يمزق هدوء ضوء القمر ونامت امه وهي تضع يدها فوق جبهته، شعر الصبي بدماغه يكاد يحترق من الحمي وبأنفاسه تنقطع حينما جثم حائط غير مرئي فوق صدره حاول ان يصرخ ولكن الصرخة دفنت في صدره، لحظة انفجار النور الذي سيصاحب روحه الصغيرة الي السماء .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى