شمس الدين موسى - وقائع الليلة الأخيرة من ألف ليلة وليلة.. قصة

الليلة الثانية قبل الألف من ألف ليلة وليلة .........

بلغنى أيها الملك السعيد.... ان الشاطر الفهلوى الذى لقبوه بالأمير، لم ينل لقب الأمير الذى لم تجربه ألسنة العامة، الا بعد جولته الشهيرة مع رفاقه الشطار، الذين كانوا يتوزعون فى أنحاء المعمورة ينشرون الفساد والظلم، لكنه نجح فى جمع الشطار والنظار والفرسان فى قصره المنيف. وكما هو متبع بسط لهم السماط عدة ليال متوالية، وبينما هو فى حال من الدعة والألفة بين مأكل وشراب، والشاطر الفهلوى يحيى وجودهم فى داره الوسيعة على حافة الصحراء، والنجوم الطالعة وسط السماء تلقى باشعتها اللاهية على حديقة القصر اليانعة، وكان الشاطر الفهلوى قد أيقن أن الجمع موجود ولا أحد يستطيع أن يلفت مما هو مرسوم ومخطط فى اللوح المحفوظ، وسرعان ما تبدل الحال، وارتفعت فوق المكان أنواع عديدة من السحب والغيوم، وأمر الشاطر الفهلوى باغلاق جميع الأبواب ومحاصرة جميع الأسطح والنوافذ والجدارن والأسوار، وأمر بحبس جميع الركائب التى احضرها الشطار، وأرسل المندوبين لمصادرة كل ما يملكه الشطار من مال وعقار. وانهالت على الجميع الطلقات من كل ناحية وسط الهرج والمرج والأصوات المذعورة التى تستغيث طالبة العون من شاطر الشطار لكن ما من مجيب، الا صوت الطلقات التى حصدت الأهات بعد ان أخرست كل من يرفع صوته بطلب الأمان تنفيذا لأوامر الأمير الواضحة. وسمعت الأصوات الطلقات من الأماكن القريبة والبعيدة حتى ظن العامة أن الحرب عادت ثانية بعد أن نعموا بالاستقرار، ولم تنقطع اصوات الطلقات ألا مع صياح الديكة التى أدركت الجميع....... وصمتت شهرزاد عن الكلام المباح .

الليلة الأولى قبل الألف من ألف ليلة وليلة .........

بلغنى أيها الملك السعيد .... ان الأمير منذ صباح اليوم التالى اصدر امرا لحفر حفرة كبيرة خلف القصر على مشارف الصحراء، جمعت بها الجثث التى تناثرت فى كل مكان بعد أن عرضت عليه كى يتعرف على اصحابها..... وسرعان ما أمر الأمير باشعال النيران فى الجثث بعد تجريدها مما تحمل من أموال وحلى وملابس. وتصاعدت السنة اللهب الى عنان السماء ولم تخبو حتى صباح اليوم التالى، عندما كان الأمير قد صحب أعوانه ونساءه وغلمانه وسط تهليل العامةوتصفيقهم على جانبى الطريق الذى اتخذه متجها ناحية الشمال للترويح عن نفسه وأل بيته. ولكن صياح العامة والحرافيش لم يوقف عقل الامير الفهلوى الذى بدأ يراجع صور الشطار بينما اتباعه يلقونها بداخل الحفرة. ومع تذكره للوجود التى لم يرها بدأت الوساوس تداعب صدره، فلم يكن ينصت الى تهليل العامة وتصفيقهم الذى انهال عليه من كل جانب، حتى أدركه الصباح على مشارف الحقول المترامية التى تلاحمت أطرافها البعيدة مع اطراف السماء........ وصمتت شهرزاد عن الكلام المباح .

الليلة الألف من ألف ليلة وليلة ......

بلغنى ايها الملك السعيد.... أن الأمير الفهلوى الذى لقبوه بالأمير بدأ عهده الجديد بالقضاء على بقايا الشطار ومطاردتهم فى كل مكان ،وبث جواسيسه وبصاحبيه فى كل الأركان متتبعا أخبار الفارين من الشطار، وأعلن عن منحه جائزة عينية لكل من يرشد عن واحد من الفارين أو يقدم رأسه الى حضرة الأمير، وكلما طلب احد الفارين الأمان استدرجه الأمير ثم أوقع به، حتى عرف المطاردون ذلك فلم يستسلموا وارسلوا له التهديد والوعيد وهم خارج الحدود. وسرعان مااستتب الأمر وعادت الحياة الى طبيعتها القديمة بعد عهد الشطار، وقل الظلم الذى كان يقع على العامة والسكان، ودعا الدعاة للأمير، ولم يتذكر أحد لقب شاطر الشطار، وأصبح الأمير هو حامى الجميع والسيد الذى يلقى الخضوع والطاعة لقاء الأمان والسلام.... وبمرور الوقت كاد الناس ينسون عهد الشطار كما كاد الأمير ينسى كل عهوده للسلام والأمان، وبدأ يفرض فروضه الجديدة المتزايدة، ولم يعف سقا أو نوتى أو شحاذ من دفع الأتاوة، وكلما مر الأمير فى موكبه أغلق أصحاب الحوانيت والورش حوانيتهم والورش ورشهم، وأختفى من طريقه العامة وابناء السبيل كلما عرف أنه سيمر. وقاطع المصلون الجوامع التى اتخذها مكانا لصلاته، وكان أتباعه يحشدون له من يثقون بهم من الناس كى يحيطوا به أثناء الصلاة. ووسط كل هذه المظاهر نسى الأمير فيما نسى أنه كان شاطرا من الشطار، ولعله لم ينس لأن ذاكرته كثيرا ما تعود للوراء فيتذكر من فر ومن هرب ومن اختفى من الشطار. وسرعان ما كانت الشكوك تلهب صدره، خشية على نفسه من قضاء الشطار. الذى يعرفه فيعلن من جديد عن خلعه لمن يبلغ عمن هرب من الشطار، أو يسلم رأس احدهم له شخصيا وسط حفل يجمع له عليه القوم ووجهائه الذين كانوا يشيدون به وبحمايته ورعايته للجميع، وادرك الصباح، وصمتت شهر زاد عن الكلام المباح .

الليلة الأولى بعد الألف من ألف ليلة وليلة ......

بلغنى أيها الملك السعيد .... أن الأمير شاطر الشطار كان قد أبلغ عن وجود من فى حوزته رأس احد الشطار الهاربين منذ سنوات، ويحق له الجائزة. وعلى هذا أعد فى اليوم التالى الحفل الذى يحضره الجميع كى يسلم صاحبه الجائزة رأس الخائن الهارب كى ينال جائزته مع عهد الآمان مدى الحياة، الذى يخلعه عليه الأمير بعدما يتيقن أن الرأس تخص أحد الشطار فعلا. وقبل الحفل اعلن فى كل مكان عن أسم صاحب الجائزة واسم الخائن صاحب الرأس المقطوع موضع المعاينة، وموعد الحفل المقام الذى يحضره الأمير شخصيا كى يشرف بنفسه صاحب الجائزة بتسليمها له .

وبدأ الحفل بالقاء كلمات عديدة من الوجهاء المقربين للأمير. ثم نودى على صاحب الجائزة الذى برز وسط الحاضرين ومن قلبهم، واضعا فوق وجهه الكثير من الألوان والأصباغ الزاهية، بينما يرتدى ملابس المساخيط والمشخصاتية الذين يجمعون حولهم الصبيان والسابلة أثناء تقديمهم عروضهم. كان يتحرك حركات بهلوانية بين تصفيق الحاضرين وتهليلهم، وفى يديه لفافة ضخمة عليها عدة أربطة من القماش والقطن. تقدم صاحب الجائزة باللفافة لفة بعد أخرى حتى أبرز الرأس الذى بها تحت سمع وعيون الحاضرين الشاخصة فى اعجاب ، وأذا هى رأس آدمى لها ملامح وجه ليست غريبة عن الجميع... تحققوا فيها بعيون متسأئلة. وقلما يدرك أى واحد أن الرأس ليست حقيقية، وبسرعة سابقت ادراك الجميع لما يفعله صاحب الجائزة، وكأنه حاوى من الحواة الذين ينتقلون بين الحوارى والأزقة، تحول تجاه مجلس شاطر الشطار الفهلوى الذى لقبوه بالأمير، وسرعان ما تحولت أنظار الجميع ناحية مجلس الامير، بينما المسخوط يرتفع عاليا ما بيديه ــ كانت رأسا غير حقيقية، كانت أنموذجا شمعيا، يحمل ملامح يعرفها الجميع، كانت ملامحها شمعية لوجه الأمير بعيونه وشورابه... انتقلت أنظار الجميع ناحية مجلس الأمير، فاذا هو غير موجود، كان مكانة شاغرا قبلما يصل اليه المسخوط ليضع الرأس أمامه للمعاينة. ارتفعت الأصوات من كل ناحية مصفقة ومهللة لما فعله المسخوط، ومنادية على الأمير. كان المسخوط يحمل الراس بين كفيه ومتوجها بها للجميع وسط الصفير قبلما يصل الى موضع الأمير بحركاته اللينة الراقصة. كان يتجه ناحية مجلس شاطر الشطار ــ الأمير ــ لكن الأمير كان ملقيا على الأرض فى غيبوبة باردة بعد ان فارقت عروقه دماء الحياة ، بين تهليل العامة وصفيرهم على ايقاع الحركات البهلوانية الراقصة لصاحب الجائزة .........

وأدرك شهر زاد الصباح ، وسكتت عن الكلام المباح .

.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى