سردار محمد سعيد - الأنثى وثقافتنا الذكورية - الجزء الثالث - طبائع وصفات الأنثى

الجزء الثالث

المياه الأولى لك تهنئتي
التي ولدتنا جميعا ً
الرافضة قيود وسلاسل الذهب
واليك أيها الذكر المستعد للتنازل عن عرش جبروتك
إليك أيها الرأس بعينين ، الأنثى والذكر ، فإذا طمست إحداهما فإن المجتمع أعور.
سبقت يوم عيدكن بالجزء الأول والثاني وها هو الجزء الثالث هديتكن
ويسرني أن أكون السباق بالصراخ بوجه ( كلكامش ) العصر ومن يريد أن يطأ عنق ( تعامة ) .


طبائع وصفات الأنثى
-------------------

يبدو أن الحاجة مستمرة في أعادة دراسة كتب التراث ولا أقول قراءتها فقط ، ففي كل إعادة نكتشف قيما ً جديدة ، وعلما ً غزيرا ً ، وأعتقد أن كثرة من المثقفين قد قرأوا كتاب الحيوان للجاحظ ، فمنهم من تلذذ بقراءته بالإطلاع على عالم الحيوان ومنهم من رأى فيه كتابا ً أدبيا ًكبيرا ً ، لكن رؤيتي للكتاب تختلف، فأرى أن الموسوعي الجاحظ قد رصدعلاقة الحيوان مع الإنسان طبائعا ً وسلوكا ًوإن لم يفسر ذلك فسلجيا ًإذ كان علم الفسلجة والطب ما يزالان بدائيين .

عندما ظهرت نظرية دارون في أصل الأنواع واجه تصدّيا ً عنيفا ًمن حملة الفكر الديني ومن الغيبيين وحتى من الجهلة ، ولاسيما فكرة نشأة الإنسان من كائنات متدنية ، وفي واحدة من أبرز دلائله وبراهينه وجود العلائق الفسلجية والتراكيب النسيجية المتشابهة بين الإنسان والحيوان ، لذا فإن الطبائع والسلوكيات والصفات المشتركة بينهما سببها وجود هذا التشابه الفسلجي ، وإلآ كيف يمكن أن تنتقل العدوى من الإنسان إلى الحيوان وبالعكس مثل داء الكلب والجدري والزهري والكوليرا 1 ) وحديثا ً بعد رحيل دارون بسنين ثبت ذلك بمرض الأيدز، وأرى أن كثير من الطبائع المشتركة كممارسة الجنس والشهوة واللذة يعزى للسبب نفسه ، وعلى وفق هذا أقرأ رؤية الجاحظ للمشتركات بين البشر والحيوانات في الشهوة والطبائع ، وأزعم أن هذا الإستناج بين رصد الجاحظ ورصد دارون قد أهمله الكثير ربما لعدم قراءة دارون بسسب الوازع الديني أو قرأ كتاب الحيوان للجاحظ ككتاب أدبي .

فمثلا ًرصد الجاحظ تفوق رغبة الإناث على الذكور في الطعام ،وينطبق هذا على الإنسان وعلى الحيوان ، فيرى أنه بسبب شدة نهم الإناث صارت ( اللبؤة أشد عراما ً وأنزق ) .2 )

وأظن أن الإختلاف هذا بين الإناث والذكورلادليل في رجوعه إلى عامل تكويني وإنما هو تطبع وليس طبعا ً . ومحاولة اتهام الأنثى بطبائع مهينة فكر ذكوري ، فيروى أن لقمان قال في موضع النهي عن حمد النساء

( شيئان لا يحمدان إلآ عند عاقبتهما : الطعام والمرأة فالطعام لا يحمد إلاعندما يستمرأ والمرأة لاتحمد إلا عندما تموت ) 03)

يحاول الفكر الذكوري تصيد المثالب وما هو مشين وفيه منقصة ليرده لطبيعة المرأة ، ومن تلك الطبائع كونها مشؤومة ،وحاشا لنبي كريم أن يقول : الشؤم في ثلاث المرأة والدار والفرس . فتتصدى عائشة للسامع الذكوري لتوضح أن ناقل الكلام هذا سمع آخر الكلام ،والصحيح أن الرسول قال : قاتل الله اليهود يقولون : الشؤم في ثلاث المرأة والدار والفرس . 04)

أول ذنب أقترف كان لـ ( حواء ) كما يروى في الفكر الديني ( ولا أقول الدين ) فهي التي أغوت ( آدم ) ، وهذا مايذكره الفكر التوراتي ، ففي الإصحاح الثالث من سفر التكوين : فقال آدم : المرأة التي أعطيتني لتكون معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت .

فعوقبت المرأة لفعلتها وعقابها يتجسد بـ ( الحبل ) والوجع الذي يصاحب الولادة ، والإشتياق لـزوجها ، والأهم من هذا كله وهو المقصود ( ويسود عليك ) .5 )

الغرائز ومنها الغريزة الجنسية لصيقة مع الحيوان والإنسان ذكرا ً كان أم أنثى ، وتبتدىء بالشهوة وتنتهي باللذة ، ووقفت الأديان السماوية على رغم الإختلافات في جوانب كثيرة موقفا ً موحدا ً تجاه الممارسات الجنسية المحرمة ،فأنكرتها وعدتها من الكبائر حتى أن المسيحية تعد الرجل الذي يشتهي امرأة غيره من الزنا ، وفي التوراة ورد عن أن الفتاة التي تلطف الرب لكي تكون امرأة اسحق كانت ( عذراء لم تعرف رجلا ً من قبل ) 6) ، وكذلك عند مختلف الشعوب المتدينة بدين سماوي أو وضعي أو لا دين لها تنكر الشهوات الجنسية ويحرمها ليس من باب إيماني ولكن من باب أخلاقي ذي نتائج وخيمة .

من الفعلات التي لا أستطيع لها تبريرا ًمضاجعة تمت بين لوط وابنتيه بملء ارادتيهما في ليلتين متتابعتين بعد أن سقتاه خمراً ً وحبلتا منه وولدتا ولدين ، ومن الواضح أن القصة هذه مفبركة والغاية منها الطعن بالأنثى وإلا فهي الشذوذ ، وما هذا بغريب لكن الغرابة أن يحدث مع نبي .7)

ومثل هذا حصل مع ( لقمان بن عاد) الذي وطأ أخته بعد أن طلبت من إحدى نساء لقمان أن تحل محلها في ليلتها فحبلت من أخيها وولدت ( لـُقيم ) فهي أمه وعمته في الوقت نفسه ويصفها الجاحظ بالحمق .8 )

مما توصم به الأنثى الغيرة فيقال ( غيرة النسوان ) ، ولايوافق ابن الجوزي على هذا فيرى أن الذكر أشد غيرة على المرأة من المرأة فيعترض على صحة القول : لذة المرأة على قدر شهوتها وغيرتها على قدر لذتها .9)

ومن لطيف مايسند لإفلاطون أنه قال : إذا أقبلت الدنيا خدمت الشهوات العقول وإذا أدبرت خدمت العقول الشهوات .10)

والشهوات متنوعة ولا تقتصر على شهوة الجنس فشهوة المال هي الاخرى والتملك هي الأخرى قد زينت في نفوس البشر ( زين للناس حب الشهوات من ...........) 11) ومن هذا يتبين أن الناس جميعهم سواسية ذكورا ًوإناثا ًفي الشهوة .

الشهوات وبقية الطبائع مشتركة بين الحيوان والإنسان وبين الذكور والإنات من الجنس نفسة فشهوات الأنثى هي مثل شهوات الذكر ولا تفوق الأنثى الذكر شهوة إلآ في بعض الخصائص التي تميزها فسلجيا ً فالرغبة بإرضاع الأطفال رغبة تختص بها الأنثى دون الذكر لكن شهوة الجنس وممارسته سيان خلا التفاوت المعروف بين ذكر وذكر وانثى وانثى ، ومن يريد تصوير أن الأنثى أكثر شهوة واطلاق صفات مثل ( ساخنة ) أو ( نار ) أو ( لهيب ) فهو ذكوري التفكير

لي أن أذكر رواية المسعودي من أنه كان عند الزبير بن العوام ألف عبد وألف جارية ، فإن صح هذا فلكم أن تقدروا هل هذه شهوة أم لا ؟

ومن الطبائع التي تخيلوها في المرأة هي الشر ، ففي قول يعزى للنبي عيسى : استعيذوا بالله من شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر. 12)

ومن الفكر الذكوري مايروى عن المأمون أنه قال : النساء شر كلهن وشر ما فيهن قلة الإستغناء عنهن .13)

تصدت هنا أسماء بنت أبي بكر لتقولها بصراحة وحكمة : النكاح رق النساء فلتنظر المراة عند من يكون رقها . 14 )

وفي قول عزي للنبي داوود أن قال لسليمان : يابني إمش خلف الأسد والأسود ولا تمش خلف امرأة .15 )

جوبهت الإناث في مختلف المجتمعات بتسفيه الذكورة لها ووصفها بأوصاف مزرية ووصمها بطباع رديئة ومن محاورة بين بوذا واحد تلاميذه :

التلميذ : مايجب ان يكون سلوكنا مع النساء ؟
بوذا :لا تنظروا اليهن .
التلميذ :وإن اضطررنا إلى النظر .
بوذا : لاتحدثوهن .
التلميذ :وان هن حدثننا .
بوذا :كونوا حذرين كل الحذر . 16 )

كل الذي يذكر من طبائع وصفات مهينة بحق الانثى مصدره فلسفة ذكورية تدعو الى تقييد المراة في المنزل وعدم صلاحيتها للعمل والمشاركة في سوقه، فهل تستطيع إنجاز عمل ما إذا كانت ناقصة عقل وغيورة ونهمة وخرقاء وورهاء وشريرة وعلى هذا لاتصلح أن تكون حاكمة ولا قائدة ولا قاضية حتى أنها منعت من مبايعة الخلفاء وبهذا لا تصلح أن تكون من ضمن القوى المنتجة وليس لها أي دور في الصراع الطبقي ، وكل ما ينبغي هو سرد الأفكار الفلسفية بشأنها على وفق هوى واضعي تلك الأفكار ولعل رأيهم فيمن يقف على أسباب ومسببات قهر المرأة ورفض أن تكون رهينة سجن بيت الذكر بأنه علماني أو ربما كافر وملحد ورأيي انها ليست سوى فلسفة ذكورية برجوازية وهنا أتذكر القول :

إن تاريخ الفلسفة شأنه شأن تاريخ الفن أو تاريخ الأدب ليس فقط كما يفكر المؤرخون البرجوازيون تاريخا ً للأفكار الفلسفية ولا تاريخا ً للفلاسفة وحدهم . فالمسائل واتجاه الحلول إنما يعطيها للفلسفة نمو القوى المنتجة وتطور المجتمع واتساع الصراعات الطبقية . 17 ) .


------------
المصادر والمراجع

1 - نشأة الإنسان والإنتقاء الجنسي / تشارلس داروين .
2 - الحيوان / الجاحظ .
3 - محاضرات الأدباء / الراغب الأصفهاني .
4 - حياة الحيوان الكبرى / الدميري .
5 - العهد القديم - اصحاح 3سفر التكوين .
6 - المصدر نفسه - اصحاح 24.
7 - المصدر نفسة - اصحاح 19
8 - الحيوان / الجاحظ .
9 - أخبار النساء / ابن الجوزي .
10 - لباب الآداب / أسامة بن منقذ .
11 - القرآن الكريم سورة آل عمران آية 14 .
12 - التمثيل والمحاضرة / الثعالبي .
13 - بهجة المجالس وأنس المجالس / ابن عبد البر .
14 - المصدر السابق نفسه .
15 - التمثيل والمحاضرة / الثعالبي .
16 - أصول الفلسفة العربية / يوحنا قميّر .
17 - تحطيم العقل / جورج لوكاكش .



سردار محمد سعيد

.
صورة مفقودة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى