سردار محمد سعيد - تتبع آثار الإيروسية عند المرأة في الأدب العربي

على قدر علمي، أفهم الأيروسية على انها إبداع فني، يتخذ أشكالا، وأنماطا مختلفة في الأدب بأنواعة كلاما، وشعرا، ونثرا، وفي الفن التشكيلي – نحت ورسم – و في التعبيرالموسيقي والغناء، فهو إفصاح عن مكنونات النفس البشرية .

وثبتت الآثار أو كتب التراث والأدب والتاريخ ذلك بما يمكننا تتبعه وإقتفاء آثاره . ما يدل على ان محرك الجنس لا يستطاع كتمانه، وإن كتم فسبب ما يسمى بالتقاليد، والأعراف التي هي نتاج المجتمع الذكوري وتسلط الفكرالسلطوي وفكر المؤسسات الدينية التي تعتاش في وتحت كنف السلطة والمسخرة لغاياتها، لكن ذلك الفكر سرعان ما ينكفيء قدام واحد من أقوى مكنونات النفس البشرية وممارساتها اليومية، إذ في أقل مستوياتها تعني الديمومة البشرية، وإعلان عن حاجاتها الفسلجية والنفسية .

في مثل المجتمعات السالف ذكرها، أستحدثت لغات وألفاظ مثل: العفة، والـعفاف في مقابل الفحش والفسوق، فتوارثتها أجيال وأجيال، فالعفة والعفاف عندها تقبع في ثنايا الجسد، فلا يجوز رؤيتها، ولا ملامستها، ومن ثم لا يجوز التحدث عنها، ومن كان على النقيض من ذلك فهو في طريق الإنحطاط سائر، وفي غييه سادر .

وعلى الرغم من معرفة أن اللغو والكلام والنثر والشعر، هو تعبيركمثل التعابير الأخرى عن الكرم والأخلاق والجمال، لكنهم أحلوا هذا وحرموا ذاك بحجج كثيرة، منها أنها تدعو الى تهتك المجتمع والمنظومات الأخلاقية .

في المعابد الهندوسية المسماة - كوجوراو - تتجلى الإيروسية بشكلها المغرق في الصراحة، والواقعية، فلا عملية جنسية مما يعتقده أو يتصوره المرء مما يعرفه أو لا يعرفه، مارسه أم لم يمارسه،وكل أشكال الحب، قد صور بواقعية صارخة، بسبب تخلي الفكر الديني عن الغيبية المفرطة التي لم تفسرها السلطة والمؤسسة الدينية بما يحدد النسيج الروحي لإنسانية وبشرية الهنود، بها، وإنما حددها البشر تحت تجليات الفكر العام الحياتي .

في الأدب العربي تستفز هذه الظاهرة أصحاب العقول المناهضة على الرغم من أنها تصرخ في ثنايا الكتب الدينية والأدبية والتراثية .

أعتقد انها سابقة الوجود بإسم آخر وهو (العرابة) .

العرابة بفتح العين وكسرها والتعريب هو: ما فحش من كلام العرب .
راجع تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي،

والإعراب بمعنى الفحش، ويبدو أنه فيما ذكر أختص بالذكور دون الإناث وهذا هو حاصل المجتمع الذكوري .
(وأعرب الرجل تكلم بالفحش)
راجع لسان العرب لإبن منظور، وكذلك النهاية في غريب الأثر للجزري،

و(المرأة العروب المطيعة لزوجها المتحببة لديه) و( العروب أيضا: العاصية لزوجها، الخائنة بفرجها، الفاسدة بنفسها) .
راجع تهذيب اللغة للأزهري .

لم يستطع الفكر الذكوري، ان يقف مانعا في طريق الإيروسية فكانت تتفتق بين حين وحين معلنة عن نفسها .

قيل عن ابن عباس أنه حين كان محرما، جعل يلوي بذنب بعيره وهو يرتجز:

وهن يمشين بنا هميسا = ان تصدق الطير ننك لميسا

فقيل له: أترفث وانت محرم، قال : إنما الرفث ما قيل عند النساء .
راجع تفسير ابن كثير وتفسيرالطبري وتفسيرالقرطبي - آية 197- سورة البقرة، في تفسير (فلا رفث) .

حين لاقى مسيلمة الكذاب سجاح التميمية في المخدع – ولا ندري كيف سـُمع ذلك –، يقال انه قال لها:
ألا قومي الى النيك فقد هيي لك المضجع = فإن شئت ففي البيت وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع = وإن شئت بثلثيه وإن شئت به أجمع
فقالت: لا بل به أجمع .
راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير وتاريخ الطبري كذلك .

سلمى البغدادية الشاعرة تقول:
أزين بالعقود وان نحري = لأزين للعقود من العقود
ولا أشكو من الأرداف ثقلا = ويشكو من ثقل النهود
راجع نزهة الجلساء في أشعار النساء للسيوطي

وتقول خديجة بنت المأمون :
يا ليتني كنت حماما له = أو باشقا يفعل بي ما يشا

اما شمسة الموصلية فتقول :
وتميس بين معصفر ومزعفر= ومكفر ومعنبر ومصندل
كبهارة في روضة أو وردة = في جونة أوصورة في هيكل
هيفاء إن قال لها الزمان انهضي = قالت روادفها: اقعدي وتمهلي .

اما مهجة بنت التياني القرطبية، علقت بها ولادة ومن قولها في ولادة :
ولادة قد صرت ولادة = من غير بعل فضح الكاتم
حكمت لنا مريم لكنما = نخلة هذي ( ....) قائم

ويقال، أهدى لها بعض من كان يهيم بها خوخا فكتبت اليه :
يا متحفا بالخوخ احبابه = أهلا به مثلج في الصدور
حكى ثدي الغيد تفليكه لكنه أخزى (..............)

وقول ولادة بنت المستكفي:
أمكن عاشقي من صحن خدي = وأعطي قبلة من يشتهيها
وكانت تلقب بن زيدون بالمسدس
وفيه تقول :
ولقبت المسدس وهو نعت = تفارقك الحياة ولا يفارق
فلوطي، ومأبون، وزان = وديوث، وقواد، وسارق .

في بلاغات النساء لإبن طيفور :
ان امراة تصف زوجها قالت :
إن خرج أسد، وإن دخل = فهد، ولا يسأل عما عهد .
وشرح معناه :انه كان يثب عليها وثوب الفهد عند الجماع .

اما حميدة بنت النعمان تقول:
وقالت هل أنا إلا مهرة عربية = سليلة أفراس تحللها بغل .

وعن رجل في زوجه
من ذا الذي يمنعني من أقلقي = واني لم اعجز ولم اطلق
أحمل (.. ) مثل (..) الابلق
فاجابته أمها :
إن هشاما كاذب لم يصدق = وضرطته طامح لم تعشق

وما قيل عن امراة زوجت أخاها أخت زوجها فعجز عنها فهجته :
ياعمرو لو كنت فتى كريما = او كنت ممن يمنع الحريما
او كان رمح (.. ) مستقيما = (...) بها جارية هضيما
(..) أخوها أختك الغليما = بذي خطوط يغلق المشيما
إذا أحفت نومها الأريما = واحترت من ظهره العتيما
سمعت من أصواتها نئيما
راجع بلاغات النساء لإبن طيفور.

يتضح، ان ثمة أنواع ثلاثة من النتاج الأدبي، واحد تدخل فيه الصنعة والحرفة وآخر بث حقيقي، وثالث مشكوك فيه، فمثال المصنوع الموضوع ما يسند الى قائل لم يقله أو أفتري عليه، مثل ما قيل عن أمر مسيلمة الكذاب وسجاح التميمية، ومثال الحقيقي، الواعي مايذكر عن ليلى الأخيلية .

ففي أخبارها مع النابغة الجعدي، انه هجاها بقولة :
ألا حييا ليلى وقولا لها هلا = فقد ركبت (.....) أغر محجلا
فردت عليه :
وعيرتني داء بأمك مثله = وأي جواد لا يقال له هلا .

وعندما مدحت – توبة بن الحمير – أنكر عليها بعضهم وصفها ومدحها، فقالت له : هل رأيت توبة ؟ فقال : لا
قالت : والله لو رأى توبة لود أن كل عاتق في بيته حامل منه .

ومثاله أيضا قول – ابو نواس - :
سألتها قبلة ففزت بها = بعد امتناع وشدة التعب
فقلت : بالله يا معذبتي = جودي بأخرى أقضي بها اربي .

ومثال المشكوك فيه هو :
قصة أم جندب حين طلقت امريء القيس فقالت عن سبب ذاك :
انه ثقيل الصدر خفيف العجز، بطيء الإفاقة سريع الإراقة

وقصة النواسي مع الجارية اللصة في حضرة الخليفة :
قصتي أعظم قصة.. = صارت الضبية لصه
سرقت كأس مدامي = وامتصاصي منه مصة
خبأته في مكان لا أسميه = وقارا للخليفة فيه حصة .

وأخيرا يلاحظ ان هذه الظاهرة لم تقصر على الذكور دون الأناث، ويمكن مراجعة كتب التراث التي ذكرت، ففيها الكثير مما قد يسبب حرجا للكاتب ولمواقع النشر،لكنها تؤكد حقيقة وجود هذه الظاهرة وبقوة في الأدب العربي ومنذ زمن خلا .


.


صورة مفقودة
  • Like
التفاعلات: 2 أشخاص

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى