محمد إسعاف النشاشيبي - نقل الأديب

868 - العلم غني بلا مال

مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة لابن قيم الجوزية:

قال أبو جعفر الطحاوي: كنت عند أحمد بن أبي عمران، فمر بنا رجل من بني الدنيا، فنظرت إليه وشغلت به عما كنت فيه من المذاكرة، فقال لي: كأني بك قد فكرت فيما أعطى هذا الرجل من الدنيا.

قلت له: نعم.

قال: هل أدلك على خلة، هل لك أن يحول الله إليك ما عنده من المال، ويحول إليه ما عندك من العلم فتعيش أنت غنيا جاهلا، ويعيش هو عالما فقيرا.

فقلت: ما أختار أن يحول الله ما عندي من العلم إلى ما عنده، فالعلم غني بلا مال، وعز بلا عشيرة، وسلطان بلا رجال.

يقول الفقير إلى الله تعالى والغني عن الناس محمد إسعاف النشاشيبي:

يأمل آملون أن لن يكون بعد حين مترف مسرف يزهي، ولا بائس فاضل يشكو.

(وقالوا قسمة نزلت بعدل ... فقلنا ليته جور مشاع)
فقد تتبدل أحوال، وتؤول أمور خير مآل، ويصدق قول من قال:
(دوام حال من قضايا المحال ... واللطف مرجو على كل حال)

وبالدساتير المسنونة - يا أخا العرب - يقف واقفون، ويمشي القهقري أو اليقدمية ماشون. إنها الشرائع إنها الدساتير تشقى الأنام وتسعد، فارجون ولا تيأس من روح الله وعدله وتقدم هذا الإنسان (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) وفي (الكتاب): (لكل أجل كتاب).

قال جار الله في (الكشاف) عند تفسير هذا القول الكريم العظيم:

(الشرائع مصالح تختلف باختلاف الأحوال والأوقات، فلكل وقت حكم يكتب على العباد أي يفرض عليهم على ما يقتضيه استصلاحهم).

وقال في موضع آخر من كشافه: (الله (تعالى) ينسخ الشرائع بالشرائع لأنها مصالح، وما كان مصلحة أمس يجوز أن يكون مفسدة اليوم وخلافه مصلحة. والله (تعالى) عالم بالمصالح والمفاسد فيثبت ما يشاء، وينسخ ما يشاء بحكمته).

869 - أثر البيئة

الحيوان للجاحظ:. . . لا ننكر أن يفسد الهواء في ناحية من النواحي فيفسد ماؤهم، وتفسد تربتهم، فيعمل ذلك في طباعهم على الأيام. . . وقد رأينا العرب وكانوا أعرابا حين نزلوا خراسان كيف انسلخوا من جميع تلك المعاني. وترى طباع بلاد الترك كيف تطبع الإبل والدواب وجميع ماشيتهم من سبع وبهيمة على طبائعهم. وترى جراد البقول والرياحين وديدانها خضراء وتراها في غير الخضرة على غير ذلك. . وقد نرى حرة بني سليم وما اشتملت عليه من إنسان وسبع وبهيمة وطائر وحشرة فنراها كلها سوداء وقد خبرنا من لا يحصى من الناس أنهم قد أدركوا رجالا من نبط بيسان ولهم أذناب إلا تكن كأذناب التماسيح والأسد والبقر والخيل وإلا كأذناب السلاحف والجرذان فقد كان لهم عجوب طوال الأذناب. وربما رأينا الملاح النبطي على وجهه شبه القرد، وربما رأينا الرجل من المغرب فلا نجد بينه وبين المسخ إلا القليل. وقد يجوز أن يصادف ذلك الهواء الفاسد والماء الخبيث والتربة الردية ناسا في صفة هؤلاء المغربيين والأنباط ويكونون جهالاً فلا يرتحلون ضنانة بمساكنهم وأوطانهم ولا ينتقلون، فإذا طال ذلك عليهم زاد في تلك الشعور وفي تلك الأذناب وفي تلك الألوان الشقر وفي تلك الصور المناسبة للقرود.

870 - ويبيع قرطيها إذا ما أعدما

تتمة اليتيمة: قد أكثر الشعراء في الحث على الاضطراب في الاغتراب لالتماس الرزق وقضاء الوطر من السفر، ومن أشف ما قالوا فيه وأشفاه قول هذا الأعرابي الشامي (أبي شرحبيل الكندي):

سر في بلاد الله والتمس الغنى ... ودع الجلوس مع العيال مخيما
لا خير في حر يجالس حرة ... ويبيع قرطيها إذا ما أعدما

871 - ما أقل الروم وأكثر المسلمين! تاريخ الطبري: شهد اليرموك ألف رجل، من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيهم نحو من مائة من أهل بدر، وكان أبو سفيان يسير فيقف على الكراديس فيقول: الله الله، إنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك، اللهم إن هذا يوم من أيامك، اللهم، أنزل نصرك على عبادك. وقال رجل لخالد: ما أكثر الروم وأقل المسلمين! فقال خالد: ما أقل الروم وأكثر المسلمين! إن الجنود تكثر بالنصر، وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال.

872 - نعم، بلى

نزهة الألباء في طبقات الأدباء لأبي البركات الانباري:

يحكى أن أبا بكر بن الانباري حضر مع جماعة من العدول ليشهدوا على إقرار رجل، فقال أحدهم للمشهود عليه:

ألا نشهد عليك؟

قال: نعم.

فشهد عليه الجماعة وامتنع ابن الانباري وقال: إن الرجل منع أن يشهد عليه بقوله: نعم، لأن تقدير جوابه لا تشهدوا علي، لأن حكم أن يرفع الاستفهام، ولهذا قال ابن عباس في قوله تعالى: (ألست بربكم قالوا بلى) لو أنهم قالوا: نعم لكفروا لأن حكم نعم أن يرفع الاستفهام، فلو قالوا: نعم لكان التقدير نعم لست ربنا، وهذا كفر، وإنما دل على إيمانهم قولهم: بلى، لأن معناها يدل على وقع النفي، فكأنهم قالوا: أنت ربنا، لأن أنت بمنزلة التاء التي في لست.

873 - مخيريق خير يهود

سيرة النبي لعبد الملك بن هشام:

كان مخيريق أحد بني ثعلبة بن الفطيون حبرا عالما، وكان غنيا كثير الأموال من النخل، وكان يعرف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بصفته وما يجده في علمه، وغلب عليه إلف دينه، فلم يزل على ذلك، حتى إذا كان يوم أحد - وكان يوم أحد يوم السبت - قال يا معشر يهود، والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال لا سبت لكم، ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه بأحد، وعهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت هذا اليوم فأموالي لمحمد يصنع فيها ما أراه الله، فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل، فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما بلغني يقول: (مخيريق خير يهود) وقبض رسول الله أمواله، فعامة صدقات رسول الله بالمدينة منها.



مجلة الرسالة - العدد 712
بتاريخ: 24 - 02 - 1947

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى