رسائل الأدباء : رسالة من أحمد بوزفور إلى عبد القادر وساط

صديقي العزيز.
ما دمت تطمئن إلى شعراء عبدة وأحمر وكل من انتسب إليهم أو حتى تسمى باسمهم مثل علقمة بن عبَدة التميمي، فأقترح أن تضيف إلى هذه القائمة الشاعر المخضرم عبْدة بن الطبيب ( أو الطيب ) . وهو شاعر مُجيد مُقلّ كان ابن الأعرابي يقول عنه: ( ما له نظير في الجاهلية والإسلام )، واختار له المفضل في مختاراته قصيدتين هما: اللامية وهي من عيون الشعرالعربي، ويقول مطلعها:
( هل حبلُ خولةَ بعد الهجر موصولُ = أم أنت عنها بعيدُ الدار مشغولُ )
وفيها يقول عن الصيد والصيادين:
( لما نزلنا نصبنا ظل اخبية = وفار للقوم باللحم المراجيلُ
ورد وأشقر ما يُؤنيه طابخُهُ = ما غَيُّرَ الغليُ منهُ فهْو مأكولُ
ثُمَّتَ قمنا إلى جُرْدٍ مُسوّمة = أعرافُهُنَّ لأيدينا مناديلُ )
ويحكون أن عبد الملك بن مروان قال لجلسائه يوما: أي المناديل أشرف؟ فقال قائل منهم: مناديل مصر كأنها غِرْقِئُ البيض ( قشرته الرقيقة البيضاء الداخلية ). وقال آخر: مناديل اليمن كأنها نَوْرُ الربيع...الخ فقال عبد الملك: بل مناديل أخي بني سعد عبدة بن الطبيب:
( ثمت قمنا إلى جرد مسومة = أعرافهن لأيدينا مناديل )
أما المفضلية الثانية ( وهي دون الأولى ) فيقول مطلعها:
( أبَنيَّ إني قد كبِرتُ ورابني = بصري، وفيَّ لمُصلح مستمتَعُ )
وهي أشبه بديوان للأخلاق والقيم العربية النبيلة. وفي شعره لقارئ مستمتَعُ فعلا ومستراد. ومنه قوله في الرثاء:
( عليك سلامُ الله قيسَ بنَ عاصمٍ = ورحمتُهُ ما شاء أن يترحّما
تحيةَ من ألبستَه منك نعمةً = إذا زار عن شَحْطٍ بلادَكَ سلّما
فما كان قيسٌ هُلكُهُ هُلكُ واحدٍ = ولكنه بنيانُ قوم تهدّما )
ويعتبر الأصمعي هذا البيت الأخير ( فما كان قيس... ) أرثى بيت قالته العرب.
ومن شعره كذلك قوله:
( ياأم عمرو لا تَجُدّي صرمنا = وكيف تصرمين حبل من وصلْ
وذاك جهلٌ بك إلا أننا = قاتِلُنا حُبُّكِ، إنْ حُبٌّ قتلْ )
وقد مر زمن قبل أن يتأكد الشعراء مما شك فيه عبدة وهو أن من الحب ما قتل فعلا:
( جفنه علم الغزل = ومن العلم ما قتل )
والعلم في قصيدة شوقي هذه هو الحب.... لكل ذلك ياصديقي العزيز أقترح أن تضيف (عبدة ) إلى شعراء عبدة الساعين في إطلاق سراحك إن شاء الله.
قد نحتاج إلى أورهان باموق أيضا، فهو كاتب الرواية الجميلة ( اسمي أحمر )..
أدعم بقوة فكرة الاعتماد على شعراء عبدة واحمر في تخليص صديقنا سي عبد القادر من سجن الكثيب، وعبدة واحمر معدن الشعر في بلدنا. وقديما قال بشار بن برد:
( هجانٌ عليها حمرة في بياضها = تروق بها العينين والحسنُ أحمرُ )
و( الحسن أحمر ) مثل عربي قيل يريدون به المشاق التي يلقاها عاشق الحسن وشدتها عليه، والأحمر في اللغة بمعنى الشديد أيضا، وقيل أرادوا به البياض، ولعله هو الذي قصده بشار، والعرب تقول امرأة حمراء بمعنى بيضاء، وقال ثعلب: العرب لا تقول رجل أبيض من بياض اللون، إنما الأبيض عندهم الطاهر النقي من العيوب، فإذا أرادوا الأبيض من اللون قالوا أحمر، وفي الحديث النبوي ( خذوا شطر دينكم من الحُميراء ) يعني عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لغلبة البياض على لونها. وسُئل جرير عن الأخطل فقال: هو أوصفنا للخمر والحُمْر... يعني بالحمر النساء الجميلات.
وإذا كان الحسن أحمر فالشعر أشد احمرارا.. وبمعان ثلاث: فالشعر أحمر بمعنى أنه يتطلب مشقة تُتعب عشاقه، حتى يصبحوا حُمرا. أما الشعراء الخُضرُ فهم الذين يُقرزمون قبل أن يتكلموا، ويَتزبَّبون قبل أن يتحصرموا... والشعر أحمر بمعنى الحسن والجمال، وهل أجمل من شعر جميل؟... والشعر أحمر بمعنى أن منبعه هو قبيلة احمر، وذلك لأن الشعر في احمر ليس نظم كلام ولا رصف ألفاظ، ولكنه ما يسميه ابن سلّام في طبقاته ب ( عَظْم الشعر ) أي جوهره وكنهه وما به يكون الشعر شعرا، وهو أمر لا يتعلق بالألفاظ بقدر ما يتعلق بزاوية النظر إلى العالم، ودرجة الإحساس به، ولون الدهشة فيه... وإنما في عبدة واحمر تجد هذا الشعر لأنهما عبقر الشعر في بلدنا.. وقديما قال شاعرنا رجزا:
( أمست شياطيني تُريني عيقرا = ( عبدةَ ) لي طورا، وطورا ( أحمرا )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى