نصوص بقلم مدحت ثروت

رافقه في صبيحة مشمسة، كان أكثر منه قليلا في الطول، وأكثر من صمتا، يسير معه ليستمع له؛ فهو الصديق الأوفى الذي يثق فيه، يكتم سره ولا يكدر صفو بوحه، لم يعهد منذ طفولته وفاء مثله ولا يريد، فكم من مرة قصد فيه محبته فلبى النداء وترك الكل وبقي معه مهما! طال الحديث، الطريق ممهد وضجيج السيارات لا يمنع...
خَلْف صباحات مُؤَجَّلَة مِنْ لَيْلَةِ الْبَارِحَة الْمُظْلِمَة ، بَاتَ عَلَى جِدَارِ الْقَلْب شُعُور رابض يَسِنُ أَنْيَابَه الْحَادَّة لافتراسه ، جَالَت بِصَدْرِه النبضات خَافَتْه متباطئة ، وأتون الْأَلَم يُلْقِي شظاياه عَلَى ضلوعِهِ الوهِنة ، مَا عَسَاهُ هَذَا اللَّيْلِ ؟ إلَّا تنقشع غَمَّتْه...
اكتظ الشاطيء الرملي الناعم بعشرات المصطافين من بلدان مختلفة جمعتهم شبكة صيد كبيرة لأحد الصيادين، نادى فيهم الصياد مالك الشبكة برغبته في أن يعاونوه بعد إلقاء شبكته في البحر لسحبها إلى الشاطيء؛ إذ انها ستكون ممتلئة سمكا من خير هذا البحر العميق كثير السمك، وأن يتقاسموا معا السمك على أن يحصل هو على...
ليلتنا المرتقبة في حرم الجمال انتظر قدومها مراقبا عقارب الساعة منذ صبيحة هذا اليوم البهي، اشتريت لها زينة أعياد الميلاد، جمعت ألوانها كما لبستاني يجمع وردات الربيع وقت تفتحها؛ كي يهديها لحبيبته في عيدها، سابقت خطواتي عقرب الثواني بل كانت كل دقة تلغدني في صميم قلبي، ليته ينتهي من تسلحفه وتعالي...
أصبحوا على صوت كرعود الغضب من كبد السماء، فتح خشب شرفته البالي قبيل ساعات الفجر، أصوات مكبرات الصوت بالمساجد حلوه تستعد للآذان، الظلام يضمحل ويبزغ فجرا سماؤه ملبدة بغيوم مباغتة؛ قد كان الليل طبيعيا لم يبدو فيه اي بادرة لتقاب الجو، ونام الجميع كعادته كل ليلة مودعين أحباء أو أقارب رحلوا في...
أفاق من غيبوبته، لم يدرك كم من الأعوام قد مرت عليه، خوذته الصدأة من تعري العروبة أمام أهوية العولمة مالت بجوار راسه طويل الشعر الممتلئ بهموم عروبته، صدرته المتبطنة على صدره جاثمة كجبل الأحزان، حذاءه الجلدي مزقته سنوات التعدي والعدوان، ملابسه اكتست بأتربة الخزي والتخلف الحضاري مقارنة باليوم، فرسه...
في بلد شقيق .. تتحدّث نفس اللغة، ترتدي نفس الثّياب، تهتم بنفس الهموم، تدين بذات القرآن واﻹنجيل، لهم نفس العروبة المكلومة، والشظايا المبذورة في نهود العذارى وقلوب اﻵباء وأُمهات الحزن واﻷلم. خرج صباحاً يُشمّر عن سواعدِه النازفة، وينفض عن ملابسِه رائحة الدم وغبار الخزي والاستكانة، ويرتدي قبعة العمل...
أعلى