مصطفى معروفي - نشوة العثور على كتاب مصادر " ممنوع"

ربما الموضوع الذي أتحدث عنه يعرفه مجموعة من الأشخاص كانوا كتابا و أدباء أم كانوا هواة قراءة و اطلاع على الكتب،وهو العثور على كتاب مفقود بعد بحث مضن عنه.
عندما كنت أتابع دراستي بالمرحلة الثانوية (المرحلة الإعدادية الآن) كان أستاذ اللغة العربية شغوفا بقراءة مجموعة من الكتّاب من بينهم كاتبان أحدهما أشهر من نار على علم و هو المفكر المصري الراحل مصطفى محمود رحمه الله ، و الآخر كاتب مغربي هو مصطفى النهيري ، و من بين كتب هذا الأخير كان يحضر معه إلى الفصل كتاب: "أزمة الفكر العربي" ـ صدر سنة 1972 ـ و كان هذا الأستاذ يختارني لقراءة بعض فصوله على الطلبة ، و بعد القراءة كان يحفزنا و يدفعنا إلى مناقشة الأفكار و الطروحات التي وردت فيه و التي استمعنا إليها، هذا الكتاب الذي صودر من طرف السلطة بعد صدوره بوقت قصير نظرا للأفكار الجريئة التي تضمنها و التي تخص المجتمع العربي و الثقافة و الكاتب الخ الخ... صار همي الأكبر في ما بعد هو إيجاد نسخة منه ، فلم أيأس من البحث عنه لمدة ليست بالهينة في طولها ، لدرجة أنني التقيت بصاحبه مرة و سألته إن كان ما زال يتوفر على نسخ من الكتاب فأخبرني أنه لم يعد يتوفر و لو على نسخة واحدة منه ، لا هذا الكتاب و لا الكتاب الذي تلاه في الصدور وهو " محنة العقل المبدع" و الذي حتى هو صودر بدوره، لكن هذا الكتاب وجدت نسخة منه عند صبي صغير يبيعه مع كتب مدرسية مستعملة و هو بدون الدفة الأولى للغلاف فابتعته منه.
و يحدث أنني كنت مرة في طريقي إلى الشاطئ فعجت على سوق لبيع لأشياء المستعملة تقام على قارعة الطريق فلم ألبث أن وقعت عيني على الكتاب ، أزمة الفكر العربي بعينه للكاتب بعينه، ففي الحال كان الكتاب في يدي و في الحال ناولت بائعه ثمنه، و من شدة فرحتي بالعثور عليه وضعته في الجيب الداخلي الأعلى لمعطفي - الكتاب من القطع المتوسط - و صار لا يفارقني و قد قرأته و أعدت قراءته أكثر من ثلاث مرات.
مما كان قد زاد من تَوْقِي للكتاب ،إضافة إلى ذكرياتي معه في الفصل الدراسي، هو القراءة " النقدية" التي قام بها المرحوم الدكتور سالم يفوت بأحد أعداد مجلة " أقلام" الذي ما زلت أحتفظ به لحد الآن كان عنوانها هو " أزمة الفكر" في أزمة الفكر العربي"، و " قراءة" أخرى قام بها شخص يدعى الفلالي على ما أظن بمجلة " دعوة الحق" المغربية عنونها بـ" مهزلة التفكير الإلحادي في كتاب أزمة الفكر العربي"، و للعلم فقد رد النهيري عليهما في كتابه"محنة العقل المبدع".
أكتب هذا و أجزم أن ثمة من يشاطرني هذا الإحساس بالسعادة الذي يغمر كل من لديه هم ولو بسيط بالقراءة و لديه هاجس قوي للمعرفة ، فإذا كانت قراءة الكتاب تحمل معها من بين ما تحمله المتعة فالبحث عنه سواء كان كتابا متاحا أو غير متاح هو أيضا يحمل المتعة معه ، و يشعِرُ الباحث بأنه مازال إنسانا يسعى من أجل الرقي بإنسانيته إلى المراتب العليا ليحظى بالتكريم الذي خص الله به سبحانه و تعالى بني آدم.
العثور على كتاب مفقود، يا لها من نشوة عارمة!!!
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

تحيات طيبات اخي السي مصطفى معروفي
قرات مقالك بوافر من الحنين لكتب قرأناها وافتقدناها وسط هشيم الايام .. وكم من كتب ضاعت او سرقت منا من طرف اشخاص محترفين .. وقد خلد التاريخ حكايات عن اشهر سراق الكتب مثل جان جينيه والدوق ليبري وضعفهم امام الكتب ، والف البرتو مانغيل كتابا حول سراق الكتب

يحضرني قول الجاحظ
ايها المستعير مني كتابا = ارض لي فيه ما لنفسك ترضى
لاترى رد ما اعرتك نـــفلا = وترى رد ما استعرتك فــرضا

وقول محمد بن خلف كذلك

ايها المستعير مني كتابا = إن رددت الكتاب كان صوابا
انت والله ان رددت كـتابا = كـــــنت اعطيته اخذت كتابا

حاصل القول ، اني كنت قرات عدة كتب واحتفظت بها لمكانتها الخاصة في نفسي منها كتب لم تعد موجودة خاصة بعد الهجمة السلفية على المشهد الفكري بالمغرب والتي تتزعمها الحركات الاسلاموية التي استهدفت الفكر التنويري واليساري على الخصوص منذ منتصف ثمانينيات القرن الفائت ، وادت الى فراغ المكتبات من كتب الفكر الاشتراكي والتي كانت تباع على قارعة الطريق مثل كتب راس المال والبيان الشيوعي وكتب لينين وتروتسكي والروايات الروسية التي كانت تصدرها دار التقدم بالاتحاد السوفياتي سابقا، الى جانب كراريس حياتنا الجنسية و الروض العاطر وعودة الشيخ الى صباه التي لم نعد نرى لها اثرا
من تلك الكتب الجميلة التي تركت اثرا في نفسي كتاب ( الاقدام العارية) لطارق عبدالحكيم عن تجربة ومحنة الشيوعيين في سجون ناصر عقب ثورة 22 يوليوز .. وديوان ( رقصة الراس والوردة) لعبد الله زريقة الذي جمع من المكتبات ، وكتاب صديقي الملك لجيل بيرو
كانت مكتبتي تتعدى 3000 كتاب ، وكان الاصدقاء يحملون بالجملة ولا يردون ، بعد هذا لم اعد اقرض الكتب ابدا وقد نمت اضعافا ، وان كنت اتبرع لجمعيات ومكتبات مدارس بكتب قراتها ولم تعد لي حاجة بها
بخصوص ذكر مصطفى النهيري الذي قرات له بمجلة اقلام بعقد السبعينيات ولم اعد اسمع عنه اي خبر ، وهو حسب علمي كاتب عصامي يمتهن التجارة بالدار البيضاء .. فقد كانت كتاباته - الى جانب مقالات محمد عابد الجابري و سالم يفوت وعبد السلام بنعبد العالي وعبدالرزاق الدواي وسبيلا - باهتة مثالية مغرقة في الغموض ، ومتأثرة سطحيا بالفكر التاريخاني لعبدالله العروي خاصة في الايديولوجية العربية ، وكتابات انور عبد المالك و البير حوراني وهشام شرابي وغيرهم

وللحديث صلة

محبات
 
تحية طيبة لك السي المهدي،
كتاب النهيري موضوع المقالة لم يسرق مني ،و انا لم أشتره في الوقت المناسب ربما لضيق ذات اليد ،و ربما كنت قد قلت في نفسي ما دمت قد اطلعت عليه بفضل أستاذ اللغة العربية فلا داعي لاقتنائه ،لكن مع مرور الوقت شعرت بالحنين إليه و الرغبة في الحصول عليه،و تم لي ذلك بعد فترة من الزمن.
ما يعاب على النهيري في كتابه هذا و في كتبه الأخرى و عندي جلها هو الميل الشديد إلى المصطلحات الغربية و حشدها في الكتاب حشدا،ثم هذا الاعتداد الطاغي بالنفس و التمركز حول الذات ،مما جعل القارئ خاصا و عاما يقرأه بشيء من التأفف و النفور.أما كتابه "أزمة الفكر العربي"فقد طرح فيه أفكارا جريئة ،أفكارا يمكن أن نعتبرها في تلك الفترة ثورية بمعنى الكلمة،و ما تلك ردود الفعل التي أثارها في شق منها إلا بسبب هذا.
أما السرقة فهذا موضوع آخر ،فعبد ربه سرقت منه مجلات و كتب ما زالت حرقتها عالقة في حلقومه لحد الآن ،و بعضها أتذكره الآن بحسرة مثل كتاب"الأغلبية المخدوعة"لأوراضي.
ثم أن يكتب النهيري في مجلة "أقلام" و أنا لست داريا بذلك فهذا أمر عجيب ، مع كل الأسماء الأخرى الواردة في ردك الكريم كنت أقرؤها في ذات المجلة.
لا هنتَ مولانا.
 
نعم صديقي العزيز .. لاازال اتذكر النهيري بلحيته وكتاباته المثالية التي كانت محط جدال ونقاش خارج مقرر الدرس من طرف استاذ العربية بالثانوي وهو استاذ ذو ميولات يسارية ( 23مارس).. اختار المنفى خلال حملة هوجاء للنظام سنة 74..
بخصوص كتاب محمد الرواضي فهو عندي ومليء بالمغالطات وقد الفه الرد على متهميه .. وقد استقطبه المناضل عمر دهكون ضمن المجندين لسوريا .. لكن ما صدقش ههههه .. وقد كتب هذا عبد الحميد اجماهري ضمن حلقات بالاتحاد الاشتراكي مالبثت ان توقفت اثر شكاية

تحيات
 
شكرا لك السي المهدي على الرد الكريم و أقول:
ما زال عندي كتاب محمد أوراضي الثاني "سقط القناع ـ الأقلية الخادعة"و قد قرأت الكتابين معا ،و من الطبيعي أن يكتب عن الكتاب عبد الحميد اجماهري و ينفي ما جاء فيه ،ما دام الكتاب يتحدث عن فترة زمنية و ممارسات لوجوه بارزة في الحقل السياسي.
تذكرني كتابة الحميد اجماهري بكاتب آخر معه في الحزب ،كتابة ربما يبدو أن ذلك الزعيم السياسي الشهير تشبع بمضامينها حين قال يوما ما :"لن نسلمكم أخانا".
دمت في حفظ الله مولانا.
 
التعديل الأخير:
أعلى