جمال الدين علي الحاج

( لا أحد غيرك يرتب هذه الفوضى). قال وهو يرمي بالملف على طاولة مكتبي; رفع السبابة وأضاف ( لا تنسى أنك من طلب عمل إضافي). آه لو عرف ماذا فعل بي؟ لقد هز أركان روحي وهدم ذاتي. بعد خروجه مباشرة; انهمكت أقلب أوراق الملف الصفراء الباهتة. ثمة رسومات مبهمة وخطوط كنتورية لتضاريس مخيلة مجنونة. يقتضي عملي...
لا يدري أي إحساس انتابه وهز بدنه; وهو منهمك في عمله ليندلق اللحن ويجرى على لسانه بتلك الطلاوة والحلاوة( لا شوفتن تبل الشوق ولا رد يطمن; أريتك تبقى طيب أنت أنا البي كلو هين). صعد على متن العربة التي يجرها حماره (المكادي) طيب المعشر; بعدما أفرغ آخر عبوة في برميل جارتهم (عيشة). وهو مستلق على...
كان الوقت هزيع ليل والظلام قد أنهى للتو لف القرية بثوبه الأسود. وكان السكون الواقف على أهبة يصب مزيدا من العتمة كلما تناهي الى مسامعه شخيب الطلمبات وهي تشفط مياه النيل بتواطو تام مع القمر الذي غاب عن الحضور متحججا بسوء الاحوال الجوية. في هذا الجو الكئيب المنذر بقدوم العاصفة يقاتل حميدة وحده...
كنت كمن ينقب عن كنز ثمين في أعماق نفسي; أحفر ذاكرتي أزيل ركام الماضي; أبحث عن نقاط مشرقة في حياتي. وأنا في أوائل الخريف أجدني روحا هائمة في دهاليز جسد متصدع آيل للسقوط. ومع أن أعماقي تشع نورا ولا تزال نابضة; إلا أن تلك الغلالة السوداء التي انسدلت على حواف العمر تحجب عني الرؤيا. بعد أن نبش ذلك...
بعد أن اختطفتني عنقاء الغربة وحملني جناحاها الأسطوريان وحلقا بي في سموات بعيدة. شرقية وغربية. لعقت شفتيها وقد امتصت رحيق عمري ومن ثم فتحت نافذة زمن الضياع ورمتني منتوف الأعضاء مثلما تسقط الحديا ريش العصفور الصغير. وجدت نفسي أقف أمام باب الدار التي نشأت وترعرعت فيها. دار جدي لأمي محمد ود عوض...
ذات يوم صنعت لي أمي دمية صغيرة من سيقان الذرة اليابسة . صممت الهيكل كما يجب . رأس مستدير ومرفوع لأعلى . اليدان مشرعتان والساقان طويلان ومستديران . انتزعت أمي خصل من شعر رأسها كانت ملتصقة بالمشط وثبتتها برأس الدمية فأصبح لها شعر طويل . بقلم الفحم رسمت أمي على رأس الدمية عينين سوداوين واسعتين . و...
تمددت على ظهري بالشط محدقا في السماء. وماخوذا بالسكون القادم من ضوء القمر و النجوم دون أن أفكر بأي شيء. كنت وحيدا بين النيل والليل. وكان القمر يسبح في الفضاء بلا هدف. فراحت عيناي المأخوذتين تراقبانه. يشدهما اليه بخيط رفيع من النور. أذناي ترهفان السمع لضرباته علي سطح السماء. فلا تبصر عيناي سوى...
التقيت بها عند المرفأ القديم. كنت ذاهبا لتفقد قاربي بعد العاصفة التي ضربت بقوة في الليلة الفائتة. فقد ظل البحر طوال الليل يتقيأ غضبه بالشط. حين قابلت العجوز شارلي جالسا مع خمسة أو ستة بحارة خارج الحانة أدركت سوء يومي. هتف العجوز وكحة كحة جافة نفثها من صدره الملي بالدخان كافراغك كيس تبن أمام...
في القرية المنسية منذ زمن سحيق داخل جيب من جيوب جبة التاريخ القديم. تقبع طاحونة اللبيب في ركن قصي على حواف الذكرى الداخلية لأهل القرية كعلامة الصانع التجارية. مثل رسم باهت بقطعة قماش بالية لم تفلح مساحيق الزمن في غسله من الوجود. ينتصب عمودها لأعلى ينفث الدخان في الهواء مثل محارب قديم يسترجع...
.....في الغرفة المنزوية مثل جمل أجرب يقبع هو كقط بري عجوز . غارق في بحر العتمة تتقاذفة أمواج السكون. تعلو ضحكته ثم ما تلبث أن تتكسر على شفتيه مثل موجة واهنة وصلت للشط بآخر مدات بحر الحزن السرمدي. هذه الجدران المصمتة تسجن رؤاه. جفناه شرفتان أثريتان مغمضين على منظر واحد. وقلبه حجر بصدر تمثال يضخ...
في عالم البرزخ الروحاني جلست روح الشاب مع مجموعة من الأرواح التي فارقت أجسادها في لحظة انفصال العقل عن الجسد جراء نزاع قوي ونقاش مثير و معاناة طويلة مع داء الغرام الروحي انتهى بصعود الأرواح الى السماء وهبوط الجسد الى الأرض. بدأت كل روح تحكي عن تجربتها المثيرة والفريدة وكيف أنها قررت مفارقة الجسد...
حين صحوت من النوم ذات صباح وجدتني يابس بلا ماء. مثل جلد أضحية مكرمش ومقدود زهد فيه الذباح فتركه معلق بإهمال على الجدار. جلدي جاف ومشقق و مشدود من أطرافه بعظامي ومقعر بالوسط كبحيرة كانت نادية بالحياة فجففتها أشعة الشمس في موسم الجفاف. فتحت عيوني على حجم الكارثة. ترى ماذا حصل لي؟. أاندلق مائي...
الجنسانية كمصطلح يعتبر حديث نوعا ما مع بداية التحليل النفسي والنظريات الفرويدية. بالطبع الجنس كغريزة طبيعية خلقها الله في الكائنات الحية لاسيما الانسان. فالجنس يمثل الحياة البناء والنماء والوفرة وهو بعكس الموت الذي يمثل الهدم والفناء. ربما من هنا صار ينظر اليه كنوع من السر الالهي يحمل ملمحا من...
- خيبة الله عليك - أخفض صوتك يا أستاذ لا تفضحنا.. قال بصوت مبحوح وقفز من مكانه لملاقاتي. يجلس عبده في مدخل زقاق سوق الخردة؛ عادة يكون منهمكا في شأنه خلف مكتبه؛ من خلف النظارة الطبية يختفي شبح عالم أو مخترع ويبرز مكانه وجه نحيف أسمر؛ لوهلة يبدو لك شاب في الثلاثين؛ لكن عندما تقترب منه وتخاطبه؛...
(محكمة). في اللحظة التي صرخ فيها الحاجب بصوت جهور بتلك الكلمة المقدسة; دخل القاضي إلى قاعة المحكمة; و جلس بوقار; و أخذ يقلب في أوراق القضية التي أمامه; بينما وقف ود المبارك ساهيا وأخذ يجول ببصره في القاعة المكتظة بالأنفاس. ذهنه كان شاردا من عقال عقله في الفضاء الزمني الممتد إلى تخوم القرية. في...

هذا الملف

نصوص
62
آخر تحديث
أعلى