محمد المصطفى موسى

كدأبه منذ بدء الخليقة ، لملم الليل أطرافه المبعثرة بخطىً حثيثة وانصرف . طاردته طلائع النهار بشغفها المعهود حتى غيّبه الأفق . كعادته ، إستفاق " محمدو" على طنين ذبابة لئيمة وهي تغزو حدقات عينيه بعنادٍ حميس . أزاحها عن وجهه بكف يده اليمني ، فبقيت تحوم في حماه .. تتربصه كما يتربص الصياد احدى فرائسه...
حجارة ألقيتها بالتتابع .. ثم ألقيت بعدها حجر يتيم .. استقرت جميعها بأعمق درك من هذه البركة . البركة التي يلهو على سطحها البط البري بوسط الحديقة العامة هنا في "ايبسويتش" . أبي أوصاني بأن أفعل ذلك حين أبلغ العاشرة . ألححت عليه بالأسئلة حين كنت في الخامسة : متي أصبح رجلاً بشارب و لحية مثلك ؟ قالها...
"١" آآآه.. فلتت من بين شفتيه المطبقتين .. من دون أن تدرك وقعها أي أُذن تسترق السمع في هذا المكان المحتشد بالأجساد والوجوه. تلاشت كما ظلت الأشياء تخرج للوجود ثم تنزوي عن الأعين منذ بدء الخليقة . قلب بصره فيما يليه من الوجوه التي تراصت أمامه بذلك القدر المزعج من الزحام الذي ظل يميز مترو أنفاق لندن...
١٨ هيث فيلد سكوير ..بيرمنجهام بيت من غرفة واحدة وصالة إستقبال لزوارٍ لم يأتوا بعد ! هنا تُساكِن ألكساندرا كوزرسكي حزناً قديماً إقتسم معها كل يومٍ من أيام الله السبعة . سيدة بولندية لم يجاوز عمرها على الورق بدايات العقد الرابع. قهرتها خيبات الدنيا فأثقلت وجهها بتجاعيدٍ زحفت بعمرها من مراتع الشباب...

هذا الملف

نصوص
4
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى