وساط جيلالي

يوم أحد كئيب، كل ما حاولنا أن نتسلّى نبوء بالفشل. في البداية تسلّلْنا إلى مقبرة النصارى، كان حسن العامل بالفرّان قد حكى لنا أنهم يدفنون الحلي الذهبية مع أمواتهم، تسللنا وبحوزتنا مطرقة ووتد، لكن سطوح القبور كانت صلدة، ورغم كل الجهد الذي بذلناه لم نفلح سوى في تحطيم سور قصير كان يحيط بقبر من هذه...
كانت الربوة تبعد عن حيّنا مسافةً تتجاوز الكيلومترين، لكن كان بإمكاننا رؤية البيت الذي يقع فوقها، والسّور القصير المحيط به، والشجرة التي بجانبه. كان البيت مطليا باللون الأحمر، وكانت تَقْطُنُه امرأة عجوز ولم نكن نراها إِلاّ نادراً، حين تمر بجانب حينا متجهة إلى مركز المدينة، وحين تؤوب عائدة إلى...
كانوا يجلسون مُتكِئين على السّور القديم ، يَقْتَعِدون حِجارةً مُسطّحة كأنّها كراسي واطئة ، ويُغَنّون أغنية جماعية ، حين رأوهم يقتربون منهم وقد أحاطوا بهم ولم يتركوا لهم أية فرصة للاِنسلال٠ توقفوا عن الغناء ، شرب سعيد الإسكافي الكأس التي بيده بسرعة ووَضَعها بجيبه ، أخفى أحمد العَسّاس قِطْعَة...
على الساعة العاشرة صباحا سمعنا طرقا على الباب، قالت فاطمة إنه حسين وتحدتنا على أن نتراهن إن لم يكن هو، فاطمة لا تخطئ فقد دخل بقامته الطويلة وشعره غير الممشوط ، كان يحمل حقيبة وضعها فوق الثلاجة، وجلس بجانبي على الكنبة الزرقاء، قال لنا : _ غادي لآسفي نشوف الوالدة . رحبنا به ومد له مصطفى كأس نبيذ،...
اسماعيل في الأربعين ويشتغل صبّاغاً، يعمل أحيانا ويبقى عاطلا أحيانا أخرى، يعيش مع أمّه في بيت صغير. لكن رغم أنه في الأربعين، فإّن روحه روح طفل، وجهه الأمرد مبتسم ٌدائما، وعيناهُ ملتمعتان، وبذلة ُ العملِ الزقاء الملطّخة بمختلف الألوان تُضْفي عليه طابع بهلوان. وفي كل مرة تتَفَتّقُ قريحته عن هواية...
هكذا وبدون مقدمات أتى وجلس على الكرسي بجانبي، رفعت عيني عن الجريدة ونظرت إليه، رأيت كهلا ينظر إلي ويبتسم كأنه يعرفني من قديم، لم يكن في الحقيقة يبتسم، كان يفتح فمه الخالي من الأسنان بطريقة بلهاء، كان أسمر اللون، تلك السمرة التي ليست سمرة بل أثر للفح الشمس، نظرة عينيه الضيقتين العسليتين مزيج من...
بأحد الدواوير المجاورة للمدينة الصغيرة يوجد بيت العْرْبي صانع المَاحْيَا، يصنع كميات كبيرة يبيعها للمروجين، الذين يبيعونها بدورهم للمستهلكين. وفي يوم من الأيام ترك العربي الماحيا تتقطر في جفنة وخرج، وأتى حماره الأشهب وكانت الجفنة تكاد تمتلئ وكان عطشانا فشربها عن آخرها، كانت الساعة قد تجاوزت...
رغم أني لا ألعب التييرسي -للحقيقة لعبته مرتين ، مرة لم أربح شيئا ، ومرة ربحت 20 درهما ، وكنت قد لعبت 12 دراهم- رغم ذلك أجلس على مقهى الشمس ، وهي مقهى مقامري التييرسي بامتياز . المقامرون هنا ناس طيبون ، هم لا يريدون سوى أن يصبحوا أغنياء ، أغلبهم من الطبقات الشعبية : موظفون صغار ، كورتية، متقاعدون...
في نهاية كل شهر تأتي من الدُّّوار إلى المدينة ، تقطع حوالي عشرين كيلومتر ، تستقل إحدى عربات الكَارّو وتُؤدّي عشرة دراهم ، وعندما تصل تتجه مُباشرة إلى مركز البريد وتصْطَفُّ في الطّابور ، وتظل تنتظر حتى يحين دورها و يصرفوا لها المعاش الهزيل ٠ وهي أحيانا تزورنا ، وأنا أسعد كثيراً بزيارتها ، أرحب...
ما إن بدأ النعاس يدب إلى عيني عبد الله، وكان قد أصبح يشعر بخدر لذيذ يسري بجسمه، حتى أيقظته. كانت واقفة على رأسه، تمسك ببطنها بكلتي يديها وتتأوه وتقول : ـ آميمتي مصارني، غادي نموت ! ملأ الحنق نفسه إلا أنه تصنع الاهتمام والشفقة، جلس على حافة السرير، أحس بالبرد في رجليه الحافيتين، أراد أن يقول...
كتاب ‹المرايا› لنجيب محفوظ، الصادر سنة 1972 يصعب تصنيفه. فلا هو بالرواية ولا هو بالمجموعة القصصية. يستعرض الكاتب في هذا الكتاب مجموعة من الشخصيات تعَرف عليها على امتداد حياته، من مختلف طبقات المجتمع المصري: الأستاذ الجامعي، المثقف ،الموظف البسيط، أصدقاء وصديقات الطفولة والشباب، نساء من مختلف...
نكتب رسالة غرامية لنرسلها لعبد العزيز، رسالة غرامية خيالية٠ بعد أن نختلف في البداية حول الاسم نتفق في الأخير ونوقعها هكذا: ًزينب المجنونة بحبكً، يعني بحب عزيز. تقول له زينب التي اخترعناها من بين ما تقول إنها ما عادت تنام بسبب غرامها به، وإنها قد تقدم على الانتحار إذا ظل يتجاهلها. نرسم في أسفل...
لم يعُدْ للعجوزِ فاطنة في الآوِنَة الأخيرة مِنْ موضوع للحديث سِوَى موتِ زوْجِهَا، كُلَّما زارتها جَارةٌ، أو زَارتْ جارةً، أو جلست مع مجموعة من النساء أمام أحد الدُّور عند الأصيل، تروي حِكايتهاَ. ها هي تبدأ، إنَّ بقية النِّساء لَيُصْغِينَ إليها بِكُلِّ اِهتمام رغم أنَّهُنَّ قد سمِعْنَ القِصَّة...
لا تنفك عمتي يزة تندب حظها، تقول إن عينا شريرة تلاحقها، فمستأجرو بيتها ، الذين تتابعوا على كرائه منذ وفاة زوجها، بعد أن أخلته وسكنت بالغرفة الصغيرة على السطح، لم( يَصْدَقْ ) فيهم ولا واحد٠ تقول لي : ـ أول من اكترى مني البيت كان أستاذ لغة فرنسية، أنيقا وصامتا لا يكلم أحدا، ولا يأتي عنده أحد، لكن...
صباح يوم الإثنين : كان المُعلّم يستند بيديه الضخمتين على المكتب، جسمه مائل نحو الأمام، ينظر في ورقة موضوعة أمامه، رأسه الصلعاء البرّاقة باتجاههنا، ونحن بعد أن ولجنا الفصل كُنّا قد اِستقمنا في جلستنا، ووضعنا أمامنا دفاتر الملخصات والمقلمات، وربَّعنا أيادينا ٠ لكنه وبِدون أن ينظر باتجاهنا،...

هذا الملف

نصوص
41
آخر تحديث
أعلى