حسن قرى

اقتربت الساعة الرابعة زوالا، تجمعنا نحن الأطفال بالقرب من الحائط الخلفي للمقهى البلدي، أسندنا ظهورنا الصغيرة إليه استعدادًا وترقبًا لانقضاضنا الجماعي الذي اعتدنا عليه من زمان. البائعون والخضارون والفكهانيون أمامنا يتهيأون لجمع محصول يومهم من النقود، ربح أو خسارة، لا يهم. الأولويّة عندهم هي إدراك...
وأنا أتسكع بين حاويات القمامة بتلك المدينة، ألملم أشلاء جراح السنين، وألتهم ما تبقى من رمق الحياة البائسة، وأعبُّ من كؤوس الحرمان آخر رشفة. وجدتُك فجأة أمامي، بكل جلالة قَدْرِك، كُنتَ مطروحا قريبا من حذائي المثقوب. ها أنت الآن بحضرتي، أنا الذي كنت آمل يوما أن أمثل بين يدي حضرتك. يا لِسُخرية...
عشقْتُ الظلمة والوحدة، لكن لقاءَك يا " بو " بدّد وحدتي، وأنار ظلمتي. بأحد الزوايا المظلمة وجدتك، صحيح كان الأمر صدفة، لكنك كنت تتربص بي بكل تأكيد. كان لديك نية مبيتة لتحرمني من عشقي. أعرف نوعيتك، تصر أن تنتقم من كل محبي الظلام والوحدة. أنانيتك فاقت كل الحدود. أنت لا تحب أن يشاركك أحد الزوايا...
وأنا أتصفح جرائد الصباح، أثارت انتباهي صورةٌ صغيرة أسفل الصفحة. كانت الصورة تميل إلى سواد طافح، والكلمات تحتها مكتوبة بحروف سوداء بارزة. قرأت: ” انتقل إلى عفو الله المرحوم (حسن ق) إثر حادثة قطار مفجعة، وأمام هذا المصاب الجلل، نطلب له المغفرة، ولأهله وأصدقائه، الصبر والسلوان…” كانت الصورة صورتي،...

هذا الملف

نصوص
4
آخر تحديث
أعلى