حنا مينه

اذا كشف الزمان لك القناعا = ومد اليك صرف الدهر باعا فلا تخش المنية والتقيها = ودافع ما استطعت لها دفاعا ترتبط الكتابة بالحرية ارتباطاً عضوياً، فعندما لا تكون حرية لا تكون كتابة، لكن الكتابة، في جميع العصور، وفي اشدها قمعاً، تجد حريتها المنشودة بأشكال كثيرة غير مباشرة، وتقول قولها عن طريق...
كان لباسه قد دل عليه، فعرفت للحال أنه فلاح فقير، من أولئك الفلاحين الفقراء، الذين تضطرهم قسوة الملاكين، لهجر الريف إلى المدينة. شاهدته من وراء زجاج المقهى، في يوم بارد ممطر، يستوقف المارين، يعرض عليهم «بضاعته» فمنهم مَن يقف لينظر إليها، ومنهم مَن يهز رأسه ويتابع المسير. كانت هذه «البضاعة» طفلة...
تقزَّز نمر صاحب، بينه وبين نفسه، من الكلمات التي صدرت عن رئيفة في موضوع القلمين، استشعر أن القلم الشريف قد تأذى، لمجرد الإشارة إلى القلم الآخر الذي قالت بغير حياء إنها بعد التجربة، ستعرف ما إذ كان يروي غليلها: عاهرة قال نمر، سواء مارست العهر دعارة أو هواية أم بسبب طلاقها من زوجها وهي صغيرة بعد...
إنّ وضعَ المسألة بهذه الحدّة المثالية، يراد به إضفاء هالة من الغرابة على الكاتب، وردّ إبداعه لا إلى العمل الواعي، الإرادي، بل إلى حالة من الانخطاف خارج جاذبية المعقول، إلى حالة من هبوط الإلهام، وحالة غرائبية في تلقّيه، على نحو ما قاله الأسلاف عن الشعراء وشياطينهم. إنني إنسانٌ قلق، ويلاحظُ...
عشت ثلاثة وخمسين عاماً، حتى الآن، في دمشق، ولم اكتب ثلاثة وخمسين كلمة عن دمشق، لا أدري لماذا! يقال ان المجتمع الدمشقي كتيم، وانه منغلق على نفسه، لا سبيل لمن هو غريب عنه، ان يخترق أسوار كتامته، وقد افلحت، أنا الدخيل عليه، ان اخترق هذه الأسوار، ان اتعرف على المجتمع الدمشقي من الداخل، ان أفهم...
لم أكن أتصوّر، حتى في الأربعين من عمري، أنني سأصبح كاتباً معروفاً، فقد ولدت، كما هو معروف عني، بالخطأ، ونشأت بالخطأ، وكتبت بالخطأ أيضاً لنبدأ بالكلام عن حياة الطفولة، هذه التي أصبحت بعيدة جداً الآن، وكل ما أذكره عنها أنني بدأت رحلة التشرد وأنا في الثالثة من عمري، وهذه الرحلة، من حيث هي ترحال...
لا أؤمن بالحظ، مع أن حظي، كإنسان وكاتب، كان جيداً على الدوام، وفي وسعي، الآن، أن أقول للحياة: «شكراً، فقد أكرمتني بأكثر مما استحق!» إلا أن المصالحة مع الحياة، تبقى شيئاً آخر، يتعدى شخصي إلى غيري، فقد أصالح الحياة لأنها كانت طيبة، مؤاتية معي، وأبقى، في الوقت نفسه، على غير صلح معها، ما دامت غير...
كان فلوبير، مؤلف الرائعة الشهيرة «مدام بوفاري»، ينصح موباسان، أفضل قصاصي القرن التاسع عشر، بالصبر، ويعنفه عند نفاد صبره قائلاً: «أنت قاص رائع، فتعلم كيف تلجم نفاد صبرك!» ذلك ان فلوبير، الذي كان يكتب بتأن، وله أعمال روائية قليلة، كان معروفاً بصبره الطويل، وكان يجمع، في ذاته الابداعية، بين المعرفة...
بالنسبة للكاتب، ليس كل وقت فراغ، أو مكان للاختلاء، هو وقت للكتابة. هناك وقت للتفكير أيضاً، وللنظر إلى الداخل، وهذا ضروري ضرورة الكتابة نفسها، وأكاد أقول إن النظر إلى الداخل، يغني النظر إلى الخارج، ويتوافق معه توافق لزوم لا مندوحة عنه، فنفس الإنسان كبيته، وكما عليه، من حين لآخر، ان يرتب بيته، بما...
ناظم حكمت أوصى ابنه محمداً: «كن في دنياك كأنك في بيت أبيك، لا كمستأجر عابر للبيت». هذه الكلمات قد لا تكون، تحديداً، هي نفس كلمات ناظم، إلا ان المعنى هو ذاته، فالشعر، حين يصير نثراً، تلوى رقبته، واني لمذنب، حين ألوي كلمات هذا الشاعر الكبير، في نثر أردته تعبيراً عن حقيقة كبيرة، هي ان نستشعر...
(14) لم ينم أيهم بعد طرد غبريلا من شقته, بدا ملتاشاً, كأنه لم يستوعب الموقف بعد, راح وجاء في الصالون, في محاولة ناجحة لامتصاص الصدمة, لتحييد مشاعره والحكم بنزاهة على كل ما جرى, دون أن يشرب كأساً, دون اعداد فنجان من القهوة, ودون أن يتناول حبة واحدة من المهدئات, ففي الموقف العصيب, اعتاد أن يروض...

هذا الملف

نصوص
11
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى