حسن العاصي

تحت ثوبها تخفي أمّي كيساً صغيراً من القماش يتدلّى من عنقها تحبس داخله أزهاراً جافة وأدعية فيه يختلط الغار بالتسابيح والأذكار طُهر الماء وعبق المسك تدلان عليها يزهر الثوب في النهار صلاة للمواسم عشق بلا مدى ويصبح معجماً للأولياء ليلاً تفوح منه شفاعة مستترة وينبت على أطرافه ورد الأنبياء هذا أعمق...
حين كان والدي شيخاً قوياً لم أكن أعلم في فيض هبوب المطر يذروني الفقد كالقفار بلا ماء ولا كلأ ولا جدار أن ساقيتي مبتورة بقلبٍ يرقب مواسم الجفاف وأنني كنت معلقاً من ساقي المجنونة على درب السفر ليس لي سوى حذاء كسيح وفراشة ترابط قرب هامة الضوء كنت أغفو مثل قط القرية خلف قرميد الطاحون حين تعلمتُ...
في غفلة من ستائر الغيبوبة الأولى أتتني عارية جامحة إمرأة تلتحف الصخب مترعة باللذة والظمأ الخمري يعابث الشفاه تسيل شهوتها كـأسراب الطيور العينان غزال شارد والريح عنبر كفاكهة الصيف في الصباحات الدٌبقة أطلٌت دانبة القطوف من بين سيقان النعناع البرٌي تعانق قطرات الندى تشهق...
أنا رجل يهوى النساء عاشق حالم في كل المواسم والفصول لي قلب كورق الورد ومع الغرام لي تاريخ وصولات في ميادين الحب لكن أمر الهوى لاتسلني ياصاحبي شديد بيني وبين العشق حكايات كم من النساء راقصت وكم منهن غازلت ارتعشت كدالية وتنهدت كبساتين المطر كم كتبت لهن من أشعار...
لمْ أكنْ تقياً كما ينبغي لابن الشيخ ألف صلاة ويزيد ما كنتُ ناسكاً يشبه الإمام يحمل طقوس المغفرة ولا ورعاً مثل حفّار القبور لستُ عاقلاً ولا مجنوناً بل أنتفض في غباري وحيداً كسوْسنة زرقاء يوماً لمْ أمتلك أمري كان لي بساط وعصفور في نهري تطير الأسماك وغابتي تلد خيولاً برأسين شرنقة تربك وجه الشجر...
هنا تركتكِ وهيأت لكِ المخاض ليس لي سوى عصفور يرابط عند نافذة المطر وقلق معقوف القافية... ولدتِ طيراً فكيف يطفو على الزبد والقصب جهات فارغة والماء مرايا راحلة هنا وجدتكِ يرقة سائغة للتحليق من كَرْم وجعي فراشةٌ أَراها تُلملمُ ضوءَ السهرِ تخفقُ بأجنحةٍ من سحابٍ قالتْ أحبكَ وغيَّبها السفُر...
عندما استيقظ ذات صباح في شهر آب القائظ، كان جبينه يرشح عرقا، بدأ يتمتم بكلمات مبهمة وهو يتلوى ألما من صداع في منتصف الرأس، بعد أن كان قد قضى ليلته في صراع مع الكوابيس التي داهمت نومه ولم يتذكر منها سوى عبق رائحة السجائر حين امتص آخر سيجارة وألقى برأسه على الوسادة كي ينام. ولم تجدي نفعا مع هذه...
هكذا انتهى سخاء الماء دخل البحر إلى الكهف آمناً والدروب انتعلت أقدام الراحلين منذ كان حقلاً يرقب السحاب الهزيل كلما خرج الملح من الرمل كنتُ شجرة كسيحة مسفوحةً عارية الجذر لهذا كبرتُ في درب الفراشات ونَمَتْ قربي الحكايات في الأغصان الضيقة لأن النهر البعيد ابتلع وجه الغيم لم يكن بيدي بعض أمري...
ترميني بشق غواية تصطادني ابتسامتها فأنهمر بين يديها كالعذب المستحيل عابر سبيل قصيدة ألف ميل نظرت سهواً أقبلت مزجت حروفها بحروفي اشتعل الخصب ونمت بيننا أغنية نتوسد الزفرات في الروض الخضيل ياثورة الخصلات فوق جبينها لاترحمي يارقصة النهدين رفقاً بالقلادة أيتها...
في الوصايا الأخيرة رمل يكتب ظمأ العشب فوق الأبواب المغلقة سماء تسكب خرير الدمع في الحناجر لحظة اليقظة أحجار المركب تحتضر على الطرقات والبشر تطوي ظلها بما تيسّر من قمح لا يبصرون ريح الكهف مساحة الإيمان تكسر العدم تلعق مناقير الزجاج وتلغي سرّ الامتداد في الدروب يطرق التراب مرايا اللحم فوق...
لأجلِ رَحيلهما أبتكرُ للغيابِ مصائداً للحياةِ لمْ يَعدْ قَلبي كما كانَ تَعثّرتْ طُيوري في دَربِ الرِّيحِ تاهتْ ناصِيتي وأصبَحتُ يتيماً ونهريَ أَضحى عارياً صارَ لي عُصفورينِ في غابةِ الغرباءِ كانا مثلَ َرحيقِ البسمةِ بلسماً لكلِ داءٍ كأنَّهُما ساقياتُ الكرومِ يَبحثانِ عَن العَناقيدِ العابرةِ...
في أي سفر غافلت أزهارك رموش عيناي ومن أي ربيع تتسلل فراشات الحنين سألتني وهي تقف كحورية على كتف المساء قلت وقد فاضت زفرتي يا نفحة الروح رضابك وحده وريد قصائدي فغفت مثل خيوط الماء على أورقي في صخب العتمة يسكنني طيف العبث بغفلة من جموحي تُخفيني بثوبها لتناسل لون المُدام وينمو الهذيان حد فوضى...
أزمة الفكر العربي الحديث أنه ظل فكراُ نخبوياً طلائعياً تؤمن به -نسبياً- العقول المثقفة المعزولة عن الناس، هذا يشمل كافة التيارات والأفكار الاشتراكية اليسارية والليبرالية والقومية وتلك الاتجاهات التي تعبر الإسلام السياسي. بالرغم من المحاولات التي أظهرتها النخبة العربية في مواجهة أسئلة التحدي...
كنٌا يافعين مشاكسين دعتني كي نلعب قالت لي اخطف مني مايُخطف سرقت قبلة ولا أطيب وحين أطلت التحديق قالت قد بردت أطرافي مني تقرٌب كنت غُراً عذرياً والبراءة مني لم تُسلب جذبتني إليها أوت الشفاه للشفاه ولم يبق بين الصدرين مهرب لحظة أرهقتني حد النشوة وبت مثل الصيٌاد...
خلف بياض البحر ترقبت صوت العصافير فاض الموج فراشات وضجر الماء من الألوان لا مهرب للرمل المرتبك تعثرتُ بتقاطيع الضوء وجذبتني مراكب الغرباء من يقظة الحكاية إلى هاوية السبات سألوني عن زهرة الريح وعن الأسماء المبعثرة كانت طلاسم الصور تتناثر وتمتد خراباَ ووعداً قالوا كيف ننجو ليس لنا سوى مصيدة مبتورة...

هذا الملف

نصوص
54
آخر تحديث
أعلى