حليم الفرجي

رحل أبي؛ كنا أطفالًا صغارًا حينها، ولم نكن نعي ماذا يعني رحيل الآباء. في تلك الليلة صنعت لنا أمي دمية ضخمة. وخاطت لها وجهًا باسمًا، والعديد من الأيدي ووضعتها في صحن الدار، مع الوقت ألفنا هذه الدمية التي ألبستها أمي قميص والدي وإزاره. وأبقتها متجهة دائمًا باتجاه الباب الخارجي. كانت دمية أبي...
أصوات الطرقات تزداد يوماً بعد يوم، طرقات معدتي المنتفخة، كان الأمر بمثابة الحلم الذي يراودني كلما استسلمت للنوم، فلا ألبث أن أنهض مستجيباً لهذا الطرق المتواصل معتقداً أن هناك من يقف بالباب. بدأ هذا منذ فترة طويلة عندما ابتعت رغيف خبز من إحدى البائعات بالشارع المجاور وفاصلتها في السعر كثيراً ،...
أين منصور يا خالة ؟؟ : لا أدري ، هو لم يظهر منذ الصباح ؟؟ وأردفت واصفة إياه بالمستهتر ، ثم كالت عدداً لا حصر له من الشتائم. خرجت مسرعاً كي لا تلحظ ابتسامتي متعجباً من طريقتها في التعبير عن حبها لمنصور وحيدها ذي العين الواحدة. الخالة سعدى هي داية القرية ، منصور كان وحيدها الذي رُزقت به بعد...
وضعتني أمي على عجلٍ في فجرٍ ماطرٍ ونهضت لترعى إخوتي ، ويبدو أيضاً أن أبي أرسلني إلى رحمها على عجل ، حيث كانت الحياة قديماً لاتمهلهم كي يلموا بالتفاصيل الجميلة للعلاقات. فخلقت عجولة ، يضيق صدري من التفاصيل المسهبة، كنت طفلة مزعجة دائمة البكاء ، كثيراً ما تعرضت للسخرية كلما خرجت للعب مع أطفال...
(هل جربت سابقاً حياة الصعاليك) أتعلمون من نحن؟ نحن من ننظرُ لكم بازدراء نعلمُ حقيقتكم ،نرى وجوهكم الحقيقية نجتمع حينما يحل المساء على حافات بيوتنا لنتبادل الحديث والكثير من الصلوات. نعرفكم جيدا ،أنتم معشر الباقين على قيد الحياة . كلنا هنا نعلمُ من نحن ومن أنتم!!! نعلم خوفكم منا وتحاشيكم...
أخبرتني أمي ذات مساء أن هناك إمرأة فارعة الطول تقطن شمال هذا العالم تسحر الرجال ، تسرقهم من بيوتهم ، أخبرتني أن تلك السيدة تملك قلباً كالبوصلة ذات الأصبع الوحيد . أبي وأمي لم يكونا سعيدين كأغلب فقراء هذا العالم . كنت اتنصت على شجارهما كل مساء ، تبكي أمي كثيراً في الليل وعند الفجر تنهض خائرة...

هذا الملف

نصوص
6
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى