محمود شقير

عبد الغفّار، صاحب أعلى بناية في الحي، البناية التي ثَمّرها من عرق جبينه كما يدّعي باستمرار، يتمشى فوق سطح البناية وهو يفكر مهموماً بأمر الكلاب الضالّة التي تقضّ مضاجع الحي بنباحها، الذي لا ينقطع طوال الليل، وهي تزعج بنباحها عبد الغفار أكثر من سواه، لأنه يسكن في أعلى موقع في الحي، ما يضطره إلى...
سَمِعَتْ رفيفُ غِناءَ الأولاد، فغادَرت البيتَ إلى الحارة، وكان الأولاد يُغنّون: اليوم العيد نُعَيِّد/ ونذبحُ بقرة السيِّد اقتربتْ رفيفُ من الأولاد، وَرأتهم يرتدونَ ملابسَ جديدةً، فانتبهتْ إلى أنّها غادرت البيتَ وهي تَرْتدي ملابِسَها القديمة، فَعادتْ إلى أمِّها مُسْرعةً وصاحَت: -أينَ فستانُ...
أدخل المدينة بعد انقطاع قسري، فأجد الحال غير الحال، ولا يغادرني الشعور بوطأة الهزيمة. بعض التجار الذين تحطمت أبواب محالهم التجارية، إثر قيام الجيش الغازي بنهبها، يقفون أمام محالّهم في حالة من الشرود. ثمة في القدس أعداد قليلة من الناس تمشي على غير هدى، وثمة قليل من السيارات تتحرك في الشوارع...
قالت إنها رأته على شاشة التلفاز. على عنقه كوفيّة وفوق رأسه علم بأربعة ألوان. كان محاطاً بحشد من النساء والرجال الذين يهتفون ضدّ العدوان. قالت: حينما رأيته فرحت ونزلت من عينيّ دموع. إنه ابني الذي افتقدته. سألها: هل أنت متأكّدة؟ قالت: متأكّدة، إنه مروان. قال لها: يخلق من الشبه أربعين. قالت: لا، لا...
يورام تخفّى كما لو أنّه أحد المستعربين. بدا في ملابسه المنتقاة كأنّه مقدسيّ ممّن يعملون في تجارة الأجواخ. مشى نحو باب العامود، وهو يتوقّع أن يعثر على فرقة الخيّالة. وكان اتفق مع قوّة من الشرطة بأن تبقى على أهبة الاستعداد، في انتظار مكالمة من هاتفه النقّال، لتأتي إليه في الحال لتصفية الفرقة برصاص...
أفاق من نومه مذعورًا. فتح عينيه بصعوبة وهو بفركهما بطرف إصبعه. كانت أمه تحدق في وجهه وهي تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، تلمست جبينه بباطن كفها: -كنت تهذي طوال الليل. نهض من السرير واتجه إلى الحمّام. أدرك وهو يغتسل أن حياة الإنسان في بعض مناطق هذا العالم الفسيح لا تزيد في قيمتها عن قشرة بصل. كان...
كان يمطّ قدميه فوق أرض الزقاق. وكانت أكواخ المخيّم تتجاور كأنّها علب السردين.. وثمّة أصوات نسائيّة تغنّي بمصاحبة الدربكة: يا أولاد العرب لمّوا بعضكم وإيّاكم تنسوا أرض وطنكم سَرتْ في أوصاله نشوة حيّة.. الليلة، الناس في فرح.. والأطفال يطاردون في الأزقة، والكلُّ يغنّي ويرقص.. وكلّه من شان عينك يا...
هذه المرة، سيأتي موراتينوس إلى الناس، للتعرف على قضاياهم، دون وسيط. هذا ما تناقلته ألسنة الكثيرين من غير أن يعرفوا مصدر الخبر، الخبر انتشر في القرية وصدقه عدد غير قليل من أهلها. رئيس المجلس القروي لم يعلم بالخبر إلا من أفواه بعض المقربين منه، لام نفسه على تقصيره بحق نفسه، لأن المفروض فيه أن يكون...
ركب الكهل سيارة "فورد" واتجه عائداً إلى القدس. العرق ينـزّ من بدنه دون انقطاع، يحاول الابتعاد ما أمكن عن جسد المرأة التي لم يجد له مكاناً إلا لصقها، (ذلك فأل حسن على أية حال) يبتعد قليلاً، لأنه غاطس في العرق، ولا يحب أن تنفر منه المرأة التي تفوح منها رائحة عطر أخّاذة. ينشغل عن المرأة محاولاً...
جاءت المرأة بالخبر وهي تعود من زيارة لأبيها وأمها، والمطر كان يهطل على شكل رذاذ، وهي تمشي على مهل، كي لا تنزلق قدمها فتسقط في الوحل. قالت: رأيته عند طرف الوادي وهو يفرش على الأرض معطفه. ربما أحس بالضجر. ربما أرقه فراق الأهل. ربما ملّ الكتيبة وصحبة زملائه الجنود. اختلق سبباً ما، وغادر الكتيبة...
أسمهان تمضي في الصباح إلى مدرستها. ترتدي مريولها الأزرق وجوربيها الأبيضين. تضع حقيبتها على كتفيها وتمضي، خدّاها متورّدان وشعرها مجدول على هيئة ذيل فرس . تخرج من باب البيت لتصطدم بالسياج الحديديّ الذي وضعه المستوطنون هنا منذ أيام. تضغط جسدها نحو الحائط لتمرّ بصعوبة عبر الزقاق. وهي تلتقي...
مردخاي شخص بسيط، يوجد مثله عشرات الآلاف في تل أبيب، (هو مصرّ على أن أمثاله قلائل هناك) وهو يحب أن يعيش حياة سهلة مريحة، لا ينغّص على أحد ولا ينغّص عليه أحد، ولذلك ظل مردخاي محبوباً من جيرانه. دخل الجيش وخرج منه، وظل يعتبر نفسه جندياً وهو في الاحتياط. مارس مهناً بسيطة تصلح لمواطن بسيط. مردخاي عمل...
يشهد الله، أن كلّ شيء قد تمّ في وضح النهار حينما كانت البنت عائدة من الحمّام، تحمل في يدها اليمنى ملابسها التي اتسخت، وتقود بيدها اليسرى أخاها الصغير الذي لا يعرف حتى الآن شيئاً من شرور هذه الدنيا، فيمضي معها بكل براءة وهو يثرثر في وداعة واطمئنان. والرجل – يشهد الله – يمضي خلفهما، خلف...
وديدة تنهض الآن من نومها الأبدي، ترتدي فستانها الوردي، تمشط الشعر الذي ينسدل على الكتفين، وتمضي في طرقات بيت لحم الوديعة، تلقي تحية المساء على مجموعة من الشباب التابعين للجان الحراسة العزلاء، تحدثهم عن شهداء اليوم الذي مضى، وتقول إنها لم تعد تذكر العدد الكلي للشهداء، لكنها تعرفهم واحداً واحداً،...
حتى ذلك الصباح، كان قد مرّ عام. الرجل يراقب تمثال المرأتين من نافذة الترام الملحاح، والترام ينطلق في الشارع الذي يخترق قلب المدينة دون أن يحيد، والترام يمتلىء بأصناف عديدة من الخلق: رجال لا يلتفتون إلى ما حولهم لكثرة ما يعتمل في رؤوسهم من هموم، ونساء يحرصن على زينتهن المشغولة بإتقان، من فساد...

هذا الملف

نصوص
17
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى