دخلنا كتلة واحدة مكوَّنة من عدة شعراء شباب، وهطل أبو الخير العامل الصباحي على تقديم الإكسبريسو بفناجيننا علينا، وسألنا إذا ما كنا أدباء، واطلَّع شيئاً فشيئاً على دراستنا الجامعية، فصارت كلمة دكتور تسبق اسم بسام حسين طالب الطب وكذلك محمد فؤاد، وللحقيقة فقد كان محمد فؤاد دكتوراً عند أبي الخير قبل بسام بعامين على الأقل، أما أنا فقد كان يضيف على اسمي حكمته فيناديني بسيدنا لقمان، وكم كان هذا النداء يشجِّعني على الجلوس وحيداً إلى طاولة وما حدا قدي، ومرَّت الأيام وكانت قد صارت لنا طاولتنا الخاصة...
والحال تغير، فالغليون أضحى في يد محمد أبو معتوق بتنباك وطني بعد أن حرره من هيئة وليد إخلاصي البرجوازية، وكل هذا حدث بعد أن كتب أبو معتوق روايته الجميلة الممتعة (شجرة الكلام) ونشرها رياض نجيب الريس في لندن أواخر الثمانينات أو في بداية التسعينات، ففي ذلك الوقت انقلب الحال، وذهب الاتحاد السوفييتي آخذاً معه ما تبقى من مريديه في أصقاع العالم ومنها حلب، لكن قبل ذلك كانت هناك انتفاضة ثقافية قام بها اليساريون كتأثر واضح بالبيروسترويكا تبع غورباتشوف، انفتح اليسار على الشعراء والأدباء غير المؤدلجين،...
أعرف مقهى القصر في حلب منذ طفولتي، فلقد كان قريباً من شركة والدي للأدوية، حيث كنتُ موجوداً معظم أوقات حياتي أراقب البزنس الدوائي، وكنتُ معجباً بشخصية صديق والدي رمزي، الذي كان يملك معملاً للأدوية، وكنا وكيله الحصري، كان يجلس في مقهى بسيط اسمه القصر، وعلى بساطته وأسعاره الشعبية وموقعه الاستراتيجي في مركز المدينة سيخيّل إليكَ أنّ زبائنه هم من العاديين، ولكن لا.. فزبائنه من النخبة يا حبيب، أنتلجنسيا، قضاة ومحامون، رجال أعمال وصناعيون، أدباء وصحفيون، روائيون وقاصُّون، نقَّاد ومفكرون، مسؤولون...
1 هذه المرة استأجر ملحقاً في حي (أبو رمانة) الراقي، ولو أنه عموماً لم يكن يخرج عن دائرة مركز دمشق، فمن حي الشعلان إلى الطلياني، ومن شارع العابد إلى الجسر الأبيض، كانت مملكة هردبشت تئن تحت وطأة وجوده اليومي أو غيابه المفاجئ. كنا نأخذ ركناً لنا، مطلاً على الشارع في المقهى البرازيلي في فندق الشام، وكان هردبشت يمرُّ غالباً دون أن يلقي نظرة إلينا وهو في طريقه إلى مقره في مطعم اللاتيرنا. تعرفت عليه قبل سنوات بعد أن كنت قد سمعت الكثير عنه، كانوا يرددون دائماً بأنه موهوب ولكنهم لم يعرفوا بمَ هو...
إنتظار ما زلت أنتظرك لا أفعل الكثير لأنني أعرف بأنك ستأتين وتعطيني كل شيء ما زلت كما تركتني غبياً وأنانياً فقط بدلت البيت والأصدقاء العابرين بقي القدامى منهم ولكن الطاولة صغرت والكؤوس قلت والأحاديث انعدمت ما زلت أنتظرك ساهماً، حالماً في الجلسات والأحاديث الموجهة إليّ تؤخر لقاءنا ما زلت أنتظرك... ما زلت أحبك. أنتظرك ولا تأتين كل يوم وأنا أعرف أنك من أجلي تكرهين هذا المكان وكل مكان مشينا فيه معاً وجلسنا فيه معاً ونمنا فيه معاً أنتظرك... ولا تأتين أنتظرك وأنا أعرف أنك لن تجدي مكاناً واحداً على...
بعد أن نجحت إلى الصف العاشر بدأ هاجس بزوغ ذقني ينتابني، فهي لم تبزغ حتى الآن في حين كان زملائي يتفننون بحلاقة ذقونهم، وكنت منذ طفولتي أحسد الابن الأصغر لصديق والدي لأنه كان يلبس شورتاً يبرز الشعر الكثيف في سيقانه وأنا بلا شعر في سيقاني.. وكنت معقداً من ساقي الرفيعتين النحيلتين، لذلك كنت أرتدي السراويل الطويلة حتى في درس الرياضة، وعندما وصلت إلى البكالوريا ظلت لحيتي ممتنعة عن البزوغ، فتمنيتُ أن أرسب في البكالوريا كي لا أدخل إلى الجامعة دون لحية. وبناء على أمنيتي تصرفتُ، فصعتُ وضعتُ وفعلتُ كل...
دخل أبو سعاد العراقي وهو شاعر بالضرورة إلى مطعم اللاتيرنا ولكن بصحبة امرأة هذه المرة , و لم يلتفت أبو سعاد لا يميناًَ و لا شمالا كي لا يضطر إلى الجلوس مع أحد بصحبة صيده النادر , إلا أن التفاتة لا إرادية بدرت منه إلى الطرف الأيمن سببت وقوف عشرين شاعراً من مختلف الجنسيات الشرق أوسطية احتراماً لأبي سعاد و " ضيوفه" ، وبادر الشعراء إلى الترحيب بصديقهم بحرارة لا متناهية , بل إن بعضهم هرع إليه وقبله ثم عانقه على الرغم من أنه كان يتمنى عدم حضوره قبل دقائق , وجلس أبو سعاد رغماً عنه بعد أن أجلس صديقته...