بسمة الخطيب

يترك السرير ويقترب من المساحة القليلة التي تنام فيها. تمتدّ كفّ يده الكبيرة إلى وسادتها وتتبعها الكفّ الأخرى. يستولي على وسادتها. قامته الطويلة تحجب عنها النسيم الداخل من النافذة. (تمرّ لحظات ليليّة, تذكّرني بماض كانت تهدهدني فيه النسام الدافئة, التي تلهو بأغصان الأشجار الكثيرة المحيطة...
كلما وصلت إلى الشارع المؤدي إلى بيتنا, يخفق قلبي بسرعة مجنونة. لا يستكين إلا بعد أن أرى البيت في مكانه. البنايات الحديثة القبيحة, التي تحيط به, لا تحرسه, بل تخنقه. ورغم ذلك يصمد برصانة, بطابقيه المتواضعين, وشرفاته الضيقة, نصف الدائرية, وأبوابه وشبابيكه الخشبية باهتة اللون. أحيانا, وأنا أتقدم...
كلّ ظهيرة، يرتدي ملابس العمل الثقيلة. طبقات النايلون تلهب جسده، وشعر الصوف الغزير يشعل نخاعه، لكنه يبدأ العمل كآلة صمّاء. ينظّف ساحة العرض، الحلبة والمقاعد. يمسح الأبواق والطبول. ينفخ البالونات. يسمع صوتها في قاع قلبه: "هذه بالونة لانا". يقدّم لها البالونة. يسحبها الهواء بعيداً. يد لانا لم تعد...

هذا الملف

نصوص
3
آخر تحديث
أعلى