شذى توما مرقوس

حَفَرَت الذِّكْرَياتُ أَعْماقي واسْتَحضَرتْ كُلَّ الأَعِزَّاءِ مِنْ أَمواتي أَحْياءً إِليَّ عادُوا ...... ومَرُّوا بِلحظاتِي...
هذا الجسَدُ الساكِن ، وقَبْل فاصِلة كانَ ضَاجاً بِكُلِّ الحيَاة يَنْثرُ الضَحكات ...... يَدورُ ، وتَدورُ معهُ الأَيَّام ويُلوِّحُ بآمالِ الغدِ البَعيد . . كما الشَمْعة تَنْطفِئُ الحيَاة مِنْ ضَوءٍ إِلى رَماد تَنْفضُ ذَوباناً أَيَّامها على طُولِ سَاقِها لِتَلْتَصِقَ بِالأَرْضِ ...
ــ أُنْظُري سَأَجْعلكِ تَمْرَحين قَلِيلاً .... أُنْظُري كيْفَ سأَسْخرُ مِنْهُ ... ــ لا .... لا .... لا تَفْعل هذَا ..... لا أُحِبُ السُخْرِيَة مِنْ الآخَرِين خصُوصاً وهم يَعْملُونَ حثِيثاً لِكسْبِ لُقْمَةَ عيْشِهِم . سَحبَها بِقُوَّةٍ مِنْ يَدِها فأَصْبَحا واقِفينِ بِيْنَ حشْدٍ مِنْ النَّاسِ...
...... لأَنَّهُ مُؤْمِنٌ عتِيد ورَمْزٌ دِينيّ ، اسْتَشَارَهُ الشَعْبُ المُؤْمِن عَنْ مُسْتَقْبَلِ الأَزْمَة وفَكّها ..... وتَحْتَ ظِلِّ شَجَرَةٍ في الحَقْلِ بَدأَ طقُوسَ المَعْرِفَة ، أَغْمَضَ عَيْنيهِ وغاصَ في تَأَمُّلٍ عمِيق ، وحِيْنَ أَفَاق رَفَعَ السِتَار الجفْن عَنْ عَيْنيهِ بِأَناةٍ...
….لم يعُدْ يذكُرُ تماماً ما حَدَا به إِلى ترك الأرض التي أنْجَبَتهُ حتى تَطَأَ قدماهُ أرض هذهِ البِلاد الجميلة … والجميلة جداً إِلى حدِّ الجمُود….. آه … لقد تذكرَ … إِنّهُ جاءَ هُنا ليُنقع الحُمص في الماءِ لبِضع ساعات ثُمَ يسلُقَهُ ثم يضيفُ إليهِ الملح وبعضَ الكاري وبعدها يُصبِحُ جاهزاً...
كيف تجمَّع غباء العالم كُلّهُ بين كَفِّيها هكذا فَجأَة ؟ هي لا تَعْلَم ، هل لا زالت تلك المرأة نفسها التي كانتها في وطنِها ، أم أن شيئاً وأشياء في روحِها وكيانِها قد تغيَّرت ورُبَّما كيانها برُمتهِ قد انْقَلب ؟ وبعضٌ من الثقةِ بالنفسِ أَين هو الآن ؟ هل ودَّعت هذا البعض حين خطت بقدميها حدود...

هذا الملف

نصوص
6
آخر تحديث
أعلى