عبد الرحمن شكري

مقدمة: أولع الناس من قديم الزمن بالتفكير في عصر الإنسانية السعيد: عصر الخير العميم الشامل؛ فبعضهم كان ينشده في الزمن القديم ويبكي انقضاءه، وبعضهم ينشده في المقبل من العصور، يدينه رقي الإنسان. وكثيرا ما استخدم شعاره أهل الحرص لنيل أطماعهم، واقتياد الناس لاستثماراتهم واستذلالهم؛ وكثيرا ما علق...
إذا قرأ القارئ قول المتنبي: وخِلة في جَلِيسٍ ألتقيه بها ... كيما يرى أننا مثلان في الوَهنِ وكِلمةٍ في طريقٍ خفت أعرابها ... فيهتَديَ لي فلم أقدر على اللحن كم مخلص وعُلًي في خوض مهلكة ... وقتلة قُرِنَتْ بالذم في الجبن لا يُعْجبَنَّ مضيما حسن بزته ... وهل تروق دفيناً جودة الكفن أحس بما تدعو...
بلغ المتنبي ما لم يبلغه شاعر آخر من الشهرة. وقد اهتم له النقاد الأدباء قديماً وحديثاً، وكتب عنه كثيرون من أفاضل الأدباء وأكابرهم في عصرنا هذا. وقد عني بعضهم باستنباط أخلاقه من شعره، وبعضهم أغرى بتتبع نسبه وتاريخ حياته وأسرارها وأسباب حوادثها، وبعضهم نظر إليه من حيث هو الشاعر الذي يمثل العرب خير...
وللبحتري في ثنايا أبواب شعره أبيات كثيرة في الحكم والأمثال، بعضها يدل على فطنة لبعض نواحي الحياة والنفس، وبعضها معان مطروقة كساها ثوباً قشيباً. فمن حكمة وأمثاله قوله: أُرَاِقبُ صول الوغد حين يهزه اق ... تدار وصول الحر حين يضام وقوله: هو الحظ ينقص مقداره ... لَمِنْ وزن الحظ أو كاَلهُ وقوله...
قيل إن أبا العلاء المعري شرح ديوان المتنبي وسماه (معجز أحمد) وشرح ديوان أبي تمام وسماه (ذكرى حبيب) وشرح ديوان البحتري وسماه (عبث الوليد). ولعمري لو كان شعر البحتري عبثاً ما احتفل له أبو العلاء المعري ولما سلخ زمناً من عمره في شرحه، وإلا كان المعري عابثاً لإضاعة وقته في شرح العبث. وهذا أمر يذكرني...
يرى أكثر الناس أن الحق جوهر لا يتجزأ، وانه إذا كان عند إنسان أو طائفة من الناس لم يكن عند خصومه أو خصومهم شيء منه. ومن ير هذا الرأي تضؤل ثقافته ويضؤل فكره. وهؤلاء المؤمنون بالحق قد يرون من المنكر الشنيع أن يجزئوه بين خصمين أو أكثر. وفي الناس طائفة أخرى على شيء من الثقافة تستطيع أن ترى ما للأضداد...
ينبغي أن نميز في معاني الشعر وصوره بين نوعين نسمي الأول التخيل والآخر التوهم فالتخيل هو أن يظهر الشاعر الصلات التي بين الأشياء التي ربما خفيت عن غيره ولكن يشترط في هذا النوع أن تكون الصلة متينة والتوهم أن يتوهم الشاعر بين شيئين صلة ليس لها وجود أو أن يبين عن صلة غير متينة أنظر إلى قول أبي العلاء...
يا رعى الله من اخترع التقبيل فإنه قصيدة من قصائد النسيب وآلة من آلاته ونغمة من نغماته. حدثنا الخيال قال أن آدم هو أول من اخترع التقبيل قال زعموا أن آدم وحواء ذهبا إلى شجرة من شجر توت الجنة وجعلا يأكلان من ثمرها حتى سال رضابهما وامتزج بماء الثمر الذي أكلاه فأعطاه ماء الثمر من حلاوته فبينما يأكلان...
الفكاهة نوعان فكاهة خيالية وفكاهة لفظية والفكاهة الخيالية هي نوع من الخيال ومجالها حيث يتضاءل الجد فيه فهي الخيال في حال تبسطه ومن أجل ذلك كانت الفكاهة لا تستعمل في مكان الجد ولكن صعباً على من لم يتعود النقد أن يعرف الحد الفاصل بين مكان الجد ومكان الفكاهة فمن الناس من يعد في الجد ما يعده آخر في...
إن بعض نظرات السير هلبس تذكرنا قول جوتا: إن الصواب المجهول إذا عرفه الإنسان كانت له فجاءة الأمر المتوقع، وبغتة الأمر المعروف المنسي. كما أن بعضها يذكرنا قول جوتا أيضًا: إن الناس يزهدون في الحق؛ لأنه معروف مملول مألوف، والألفة تبعث الملل، وهم لا يستطيعون تطبيقه وإنجاحه وتحقيقه؛ فهو يشق عليهم...

هذا الملف

نصوص
10
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى