حسام المقدم

أجلس على نار في انتظار أن تكتمل الكراسي. عيناي تَمرَّان على وجوه الرُّكّاب في الأتوبيس، أحملُ هَمًّا يُقطِّعني: أن أرى "علاء" جالسا بينهم، أو قادما للركُوب. حينها سأضطرُّ إلى ابتسامة صعبة، تُحرّك عضلات وجهي بالإجبار. لساني سيقول كلمة أو كلمتين من تحت الضّرس. أنظر في الساعة، أنفخُ، أشعر بِضَربات...
“أيوا الملك والوزير، مِش مصدّق؟” لا يعنيني أن أُصدّق أو لا أُصدّق، إنما ليس بي طاقة لسماع حكاية معجونة من أزمنة بعيدة، على لسان رجل لا أعرفه، وبالصدفة وحدها يتقدّمني في الطابور. لا يزال مُلتفتا تجاهي. أطوف بتفاصيل وجهه الأسمر المسحوب، وعلى الفور أربط ملامحه الطيبة بملامح عبدالوارث عَسَر...
درجات قليلة أصعدها، بعد انحرافي عن الشارع، وأُصبح في محطة القطار بمدينتي. المكان الذي أحببته دائما، وظلَّ يجتذبني، ويُكسبني الشَّغَف بالوجوه: وجوه عابرة ومُنتظرة وقلقة، حميمة ومُتعَبة ونافرة. أقف أمام صف المقاعد الرخامية ذات المساند، مُستطلعا أفضل مكان لجلوسي. أبقى مُتحفِّزا لقطارٍ يُقبل وآخر...
الشياطين أيضا كانوا يعرفون خبر الأمطار الغزيرة المُحتمَلة. ليس ذلك غريبا، وكل النشرات والصفحات الرئيسية لمواقع الأخبار على النت؛ نقلتْ توقعات هيئة الأرصاد الجوية، وإعلانها من مساء الجمعة أن يكون الثلاثاء التالي هو الأسوأ، في ذروة الموجة الباردة التي تعصف بالبلاد. هذا الشيطان، الذي يهوى...
اليوم، في الضُّحى تحديدا، صحوتُ. كالعادة رميتُ نظرة نحو الشجرة القائمة في ركن الحجرة: لا تزال على حالها وزهوتها الخضراء المُراوغة. من فراشي صفقتُ كفيّ ببعضهما، وخرجت حروف بطيئة من شفتيّ المزمومتين: بوتيرو! جرى ريقي على رائحة القهوة، فقمت لإعدادها. في المطبخ الصغير المسنود على حجرتي؛ تناولتُ...
إحدى الليالي من صيف 2005، قرف وزهق بعد ندوة كالحة تركت أثرا نفسيا سيئا؛ لكنها لم تمر دون ما يجبر الخاطر.. فعلى فَرشَة الجرائد يسطع كتاب "خلوة الغلبان"، مطبوع عليه الصورة الأيقونة لإبراهيم أصلان: الشارب الكبير والشعر الهائش، والأهم.. عيناه المقلوبتان للأعلى، بطِيبة وتأمُّل وأسى غريب، في خلطة لم...
مدت “نوال” زجاجة المياه المملوءة أمامي على الترابيزة العريضة، وقالت إنها غسلتها جيدا بعد رائحة سجائري العالقة بفوهتها منذ عام! رأيت أظافرها المهندمة تحوط الزجاجة وبها دوائر من الأخضر الباهت. بعد قليل ستقول “نوال” إنها قضت وقتا طويلا في عمل المحشي، وبسطت أصابعها أمام “سامية” زميلتنا التي تشاركنا...
الحالِم .. كانوا يقصدونكَ بالزِّيارات في أحلامكَ. يأتونَ كبشَرٍ من لحمٍ ودَم، وتكاد تلمس أردِيَتَهم مذهولًا مسحورًا. ** (1) المُتَنبّي: في الحُلم هو أكثرَ طمأنينة، وأنتَ أكثرَ فزَعا تُحاول التَّخفِّي منه في دُروب الصّحراء. ما من مرّة يظهرَ فيها...
(1) المستطيل: لا أزال، بعد سنوات في هذا البلد العربي، أتذكر كيف كانت البداية.. سألني الرجل في مكتب السفَر: كيف تشرح درسا كالمستطيل مثلا؟ تفاجأتُ حينها بمنظره. ظننتُه مصريا، لولا لهجته. شعره أسود جدا وطويل. لا يُغطي رأسه، ولا يلبس عباءة أو جلباب، بل الجينز والقميص المشجر. قمتُ واقفا أمام...
ست ساعات بالتمام، هي عُمر المحادثة التاريخية التي دارتْ معها. خلال ذلك نقرتْ أصابعه آلاف الحروف على الكيبورد، إلى أن غامت الكلمات أمام عينيه. قام بعدها يكاد يقع منه رأسه. كل أعضاء جسده كانت في إرهاق وذهول من ذلك التسمّر الإجباري المُفاجئ. غير معقول كل ما حدث. هو لم يكن يثق بذلك العالم...
إهداء: إلى فكري عمر، صُحبة الأيام والكُتب والقلق. ... يا ليل، يا عين، يا نهار، يا عالم.. انفلتَ تليفوني من يدي. راح في النهر، بعد رَبكة لحظيّة وأنا أُخرِجه من جيبي لأَرد على الرقم المجهول. تجمّدتُ مُنحنيا فوق سِياج الكوبري، راشقا عينيَّ في البُقعة التي غاصَ فيها. انزلقَ في لمحة، مثل...
(لِعَينَيكِ ما يَلقى الفُؤادُ وَما لَقي وَلِلحُبِّ مالَم يَبقَ مِنّي وَما بَقي) .. بعد قراءة البيت أنت لا تحتاج لأن تُمسك رأسك من التباس المعنى أو غموضه أو صعوبة ألفاظه؛ بالعكس.. كلمات بسيطة تمنح نفسها مباشرة. يحدث هذا مع القراءة الأولى، ومع التكرار ستكتشف أنك تقف في ضباب، وأن المتنبي ليس...
في فترات متباعدة نتيجة لسياقات حضارية محددة تتأثر بعض الأجناس الأدبية بالسلب بالرغم من التسليم بأهمية وجودها، وأهمية دورها الفعال في التقاط الغائر المخبوء في نفوسنا. في هذه الفترات يصبح الحديث عن جدوى النوع حاضرا، وعن قدرته على التواجد والاستمرار. فالقصة القصيرة بالرغم من كونها مستعصية على...
إهداء مبدئي: إلى الأحِبّاء الصغار الذين شاركوا في الحكي بأعين مفتوحة. سبع وردات لكم ولدوركم في حكاية المسعورة. وإلى آبائكم المحترمين، وأهالي بلدتنا المتحمسين. ** روحي فيكم أيها الأفذاذ الصغار. ما كنت لأذيع شيئا مما حكيتموه لي، أو مما حدث في بلدتنا الصغيرة، لولا ضيق ذات العقل عن كل خيال. ها...
من أول نظرة، عرفت أنني لن أكون محايدا تجاه وجه الرجل الذي يجلس بجواري في الأتوبيس. مع ذلك حاولت أن أنساه، وتركت رأسي يغفو فوق صدري. لم أتمكن؛ لأن الوجه اقتحمني في غفوتي بمجرد أن أغمضتُ عينيّ. رفعت رأسي نحوه من جديد: الشَّنَب! شَنب ملفوف ومستقوي.. عَمَّر سنوات طويلة، حتى انفتلَ بتلك الهيئة، وذلك...

هذا الملف

نصوص
71
آخر تحديث
أعلى