د. جورج سلوم

الفصل التاسع - سقوط وسقطت حبّة الرّمل الأخيرة ..وكان سقوطُها منتظرَاً من الطرفين وما كانت القشّة التي قصمت ظهر البعير ..فالجمل وإن كان قد ناء بما حمل لكنّه كان قادراً على القيام لو استنفره الحادي .. سقوطُها كان كسقوط ورقة التوت بين آدم وحواء ..وعندها لا خجل ..والحيّة أشبَعَتها إغواءً...
الفصل الثامن - تردّد وضَياع.. قلنا إنَّ جرس الباب كان يُقرَع ..ومنظرها راعه لمّا انفتح مصراعه.. رآها خائفة تتلفّت خلفَها كأنها مُطارَدَةٌ من جهةٍ ما ..بعيدةً عن الباب وقريبة .. متردّدة في الولوج كأنَّ عتباته خطٌّ أحمر ..لذا خطَتْ خطوةً إلى الأمام وأخرى إلى الخلف . -ادخلي بقدمكِ...
الفصل السابع - مقاربة واقتراب.. كان موعداً مُتّفَقاً عليه في شقته .. وهيَ من طلب ذلك .. وهي تعرف موقِعَها لكنّها ما دخَلَتْها يوماً ..بالرّغم من أنّه كم حاول أن يُجرْجرَها إليها بسبَب وبلا سبب .. لكنَّها اليوم هي من طلبَتْ ذلك .. وبإصرار إصرارُها الغريب جعلَه مترقّباً لأمرٍ ما جلل ...
الفصل السادس - جدران زجاجية.. في غرفتها صارتِ السّاعة الرملية صديقتَها وجليستها ونديمتها وكليمتها .. فلا تملّ مراقبة حبيباتها المُنسابة .. وصار تقليبُها ديدَنها وصمْتُ الليل وانتفاءُ الضّجيج يجعل لكلّ شيء أصواتاً مسموعة .. ولا يسمع الإنسان خفقانَ قلبه عادةً .. لكنّ الخائفَ قد يسمعه...
الفصل الخامس - تريّث.. بالنسبة له .. يعود أدراجَه إلى بيته أو إلى ثلّة من صِحاب يجتمعون ليلعبون الورق .. ويكمل سهرته حتى ليشرف على النوم وتتهالك أجفانه .. يحسده صديقه المتزوّج لأنّ زواجَه قد تأخّر .. يناوله سيجارة أخرى بلا مبالاة ويشعلها له .. ويقول له : - تريّث يا أخي كما قال طبيبك...
الفصل الرابع - استعطاف وانعطاف في مشوار المساء الذي صار اعتيادياً كنوعٍ من العلاج الفيزيائي لقلبه المُجهَد يسيران معاً على غير هدى وبغيرِ هدفٍ مُعلَن .. كأنّها ممرّضة طُلِبَ إليها تحريك المريض في حديقة المشفى بعد الجراحة ! ..وقد تساير الممرّضة مريضاً لا تعرف منه إلا اسمه ، لذا ينتفي...
الفصل الثالث خنّاق الصدر هذا اليوم ليسَ كغيره كما يبدو ..دوارٌ في رأسه وبرودة في أطرافه وفتورٌ في حيله ..طعامُه البارد أعاد تسخينه مرّات عديدة ولا شهيّة له ..الرؤية ضبابيّة ولا مطر في الخارج ..رأسه ثقيل وميّالٌ للنوم . خطر له أن يتّصل ليعتذر عن موعد المساء ولكن لا بأسَ إن تأخّر عنها...
وفي اليوم الثاني أحضر معه ساعةً رملية ووضعها على الطاولة عينها .. وبدأت حُبيبات الرّمل تخرّ رويداً .. وتكرّ تباعاً مخترقة عنق الزجاجة .. وقالت ضاحكة : - جلستنا اليوم موقوتة على ما يبدو .. - لا يهمّكِ .. نصفُ ساعةٍ فقط ستمرّ .. وسأقلب الزجاحة الرملية بعدها والجلسة قابلة للتمديد .. إنما...
الفصل الأول مخطوبان منذ فترة طويلة حتى ليكادا ينسيان تاريخ خطوبتهما .. وزواجهما موعِدُهُ بظهر الغيب مرتبطٌ بحلّ أزمتهما ..وأزمتهما جزءٌ من أزمة البلد ..وأزمة البلد جزءٌ من أزمةٍ عالمية .. والأزمة العالمية محشورة حالياً في عنق الزجاجة كما يقول المحلّلون. ولا حلّ لها كما يرى (أحمد) في فلسفته...
ماذا سأفعل له ليهشّ ويبشّ في وجهي .. ولو قليلاً . وكيف سأبعد حاجبيه المقطبين وكيف أفرّج الإنقباض من عضلات وجهه .. وأكسر الحدّة في نظراته .. كيف أحرّك الحروف في سكناته.. فأمنع التقاء الساكنين .. كيف أخفّف الشدّة فوق حروفه .. كيف أحذف أفعاله الآمرة والناهية والمعتلة والعليلة كيف أضع...
يعود متأخراً بعد أن يجنَّ الليل .. فإذا جنّ الليل ظهر جنونه واضطرم جنانه .. حارته ضيّقة وبيوتها متلاصقة متداخلة وكأنها بيت واحد .. سكانها يعرفون كل شيء عن بعضهم .. فإذا اختلف مع زوجته ينشرون غسيله .. والشرفات تمدّ ذقونها .. والعيون تراقب والألسن تحيك قصصاً .. لذا يجب أن يعود إلى البيت بصخب...
ليس مريضاً عادياً .. يستمرض ويتطبّب ويتداوى .. فيتعافى إنه حالة خاصة شذّت عن تلك القاعدة فالمريض العادي يتلقى منّا إضافة إلى الدّعم الطبي احتراماً وشفقة ومساعدة كحالةٍ إنسانية مستضعفة .. أما هذا المريض فلا يتلقى إلا اللوم والتقريع إضافة للعجز الطبي عن شفائه فالطب مايزال إزاءه مكتوف الأيدي...
هو مهندسٌ متخصّصٌ بالجيولوجيا... مهمّتُه استكشافُ المناجم .. واستطلاع خبايا الأرض والتنقيب عن النفط .. والإشراف على الحَفْر. خبرتُه العتيقة جعلته يعرف التربةَ من رائحتها .. من لونِها .. يستعملُ أوصافاً تليقُ بالنساء..هذه التربة سمراء غنية .. وتلك شقراء شاحبة ... احذروا الأديمَ الأحمر شيمتهُ...
كلما رأيتكِ تمشين إلى جانبه تشتعل ناري .. فأسير خلفكما متخفياً .. كأنكما تسيران على قلبي .. أسايركما من بعيد .. تتحابّان وأتحرّق .. تتشابكان وأتمزّق ..تتحدان وأتفرّق وناري لا صوت لها ولا ألسنة لهب .. ولا بصيص جِمار ولا دخان ولا رماد .. كالمكواة الكهربائية تروح وتجيء على قلبي .. ترسم عليه...
جاءكَ الموت قبل أن تحزمَ حقائبك وتربط سيور حذائك .. قبل أن ترتّب سطح مكتبك .. وتصنّف أوراقكَ المبعثرة .. جاءك الموت على حين غرّة .. لصاً داهمَك .. كان يتلصّص عليك كأفعى تنتظر بدهاء .. لها فيك لدغة واحدة ولكنْ ... قاتلة! رحلتكَ بدأت الآن .. وما سبق من حياتك الدنيا كان استعداداً وتحضيراً...

هذا الملف

نصوص
182
آخر تحديث
أعلى