د. جورج سلوم

انحنى قليلاً.. ونظر في وجهي.. خلع نظارته.. قال: -مالكِ جامدةً كالتمثال.. باردة كقطعةٍ من حجرْ..؟ أمسكني من كتفي واقتادني إلى السّرير وخرج مسرعاً, وسمعتُ صوت زجاجاتٍ تُفتح وكؤوسٍ تُملأ فأحسستُ بقشعريرةٍ وبرودة تسري في أوصالي. عاد وهو يصفّر بتكلّفٍ.. كان يحمل صينية عليها كأسان وشمعة ٌ حَمراءَ...
الصباح لا يزال بعيداً في هذا الشتاء القاسي ، أو هكذا يتمنّى الدكتور حيّان أن يكونْ.. يريده ليلاً طويلاً يظلّ فيه قابعاً في الفراش بعيداً عن الذلّ والانكسار الذي يلقاه في عمله كطبيب ويسخرمن نفسه – كلما تذكّر كلمات المرحومة أمّه – تعنُّ على باله وتجرحه عندما كانت تقول وتردّد: -أتمنّى لو...
البشر يموتون حولنا كالذباب ..ولا حاجة لنا للبقاء هنا في بلاد الغربة . تعالوا نعود إلى الوطن ..على الأقل نموت بين أهالينا ..ونُدفَن بكرامة في قبرٍ معروف ..بدل أن يحرقوا جثثنا هنا قي ألمانيا ! هيا بنا يا قوم فلنعُد إلى الوطن الحنون بالرغم من فقره وعوزه . ما دمنا حبيسي البيوت قسراً هنا في برلين...
ويلتقي وجهه بوجهي مرّات عديدة في اليوم ، طبيبٌ أعرفه مبتسماً دائماً حتى لتخاله بلا هموم ، ويزداد عرض ابتسامته اللبقة عندما يراني وكأنه يلقي عليّ سلاماً فأبتسم له كنوعٍ من ردّ التحيّة . أعرف اسمه فالأطباء معروفون بسهولة وينادونهم بأسمائهم ممهورة بلقب الدكتور ، أما نحن الممرّضات فيبقى اسمنا...
(من الحكايات الشعبية المكسيكية ) ..بتصرّف ! امتهن الصيد هوىً وهواية وبرع فيه حتى صار لقبه في قبيلته بالصيّاد ، وأضيف اللقب إلى اسمه شيكيتو ، فصار يُعرف بشيكيتو الصيّاد . وسكان بلاد الأزتيك ـ أو الهنود الحمر كما سمّاهم الفاتحون ـ كلّهم صيّادون بالرمح الخشبي يزرقونه ، أو بالسهم يرشقونه ، أو...
يومها أقلعت السفينة لتمخر عباب البحر الذي كانوا يسمّونه بحر الظلمات، وكانت رحلتهم تطول لتستغرق أشهراً. وكانت سفينتهم الصغيرة بركابها القلائل مجتمعاً صغيراً فيه كبيرٌ للبحارة ، ولكنّ كِبره كان ناجماً عن كبر سنه وبالتالي خبرته ، ومن ثم يكون احترامه واجباً ولا غبار عليه. وعندما كبرت السفن وغصّت...
لستَ جديداً عليّ أيها النّهار ..كأني شاهدتُ ضوءَكَ الشاحب وبردك القارس من قبل. لا بل وكأني رأيتُ جمودَ أناسك وتثاقل حركتهم وإطراق رؤوسهم من قبل. كأنهم يُعيدون مشهدا تمثيلياً حفظناه وجوهُهُم ترابيّة اللون ولم تكتسب لونها من انعكاس ترابهم الحزين على جباههم المعفّرة ، وما امتقع لونهم الترابيّ من...
-كلّما فتحْتُ حواراً ، أجد بيني وبينكَ فجوةً لا يُمكن تجاوزها . قالت ذلك ببعض التنهّد والتأفف. وأجاب ساخراً : -أفّ ، لا يمكن تجاوزها !.. هل هي هوّة سحيقة لهذه الدرجة ؟ أطرقَتْ أرضاً ، وآثرَتْ ألا تتابع الشّرح بما يخصّ التناقض في المستوى الثقافي بينها وبينه كي لا تجرحه ، إذ طالما ارتضت به...
بعد غزوة الكورونا صار العطاس والسعال أشبه بقنبلة صوتية ، تجعل السامعين يجفلون أولاً ثم يفرنقعون من حولك . وعهدي بالناس – قبل الكورونا ـ يشكرون الله إن عطسوا وإن سعلوا ، ونرتكس لهم بطلب الرحمة .. يرحمكم الله . ومن عاداتنا حشر كلمة الله (جلّ جلاله ) في معرض حديثنا للنفي بلا والله والإيجاب...
لستُ من معالجي مرضى الكورونا ، ولست مخوّلاً باختصاصي إلا للاشتباه بالمرض وإحالة المريض لمركزٍ مختصٍّ بذلك . ومجموعة الأعراض والعلامات التي جاءني بها ذاك المريض جعلتني أشتبه بالمرض فقط وألمّح له تلميحاً ، لكنّه فهم الأمر على أنه تشخيصٌ مؤكّد ، لأنّ الحملات التثقيفية جعلت كلّ المواطنين مستعدّين...
أوافقكم الرأي في كل ما انتهت إليه نقاشاتكم .. وأبصم بالعشرة على ما توصّلتم إليه .. أنا مع المعترضين مُعترض .. ومع الموافقين موافق .. ومع الموالين مُوالٍ.. ومع المعارضين معارض .. كلّكم على صواب .. وأنا أصمٌّ عن جدالاتكم وطبعاً لا صوت لي إلا من تنهّداتٍ مكبوتة . جدالاتكم الحامية وحواراتكم...
لستُ على مستوى القضية ، فالقضية أعلى منّي مستوى ..هكذا قيل لي ! لم أرقَ إلى سويّتها وسموّها ، أنا القزم في طولي وفي ارتقاء تفكيري .. بعيدٌ أنا ـ ولا شكّ - عن عمق جذورها ، أنا السطحيّ في منظاري الضبابيّ.. أبعادُها أكبر بكثير من بُعد نظري أفقها ليس في مجال رؤيتي المحدود سبر أغوارها مستحيل ،...
وجاء الليل وأشاحت الشمس بوجهها عن أرضنا ...واشتعلتْ عيون القطط البرية مستعدّة للصيد ...وأسلم الغزال ساقيه للريح في مطاردةٍ محسومةِ النهاية ...موتٌ وذبيحة . وفي هدأة القبور وبردها كانت الديدان تأكل الأجساد تحت الأكفانِ الرّطبة.....موتٌ وجيفة ْ. وفي الأجواء عبرتِ الطائراتُ فوق المحيط.. فأصبح...
جميلةٌ كانت كامرأة بل ومُلفتة ، كغجريّةٍ فوضويّة الملابس ، تجذبك ألوانها الفاقعة وزينتها اللمّاعة . عيونُها المفتوحة لا تعرف الوجل ولا ما نسمّيه الخجل ، ترقب عيونك لتقرأ فيها استحسانك أو استهجانك ومن ثم إقبالك أو إدبارك . وعندما تراك تغور بناظريك في فرجة قميصها ، عندها تتذكّر أنّ أزراراً ما...
دائماً تكون من أمرها على عجل ، زياراتها مستعجَلة ومجتزَأة ومقتَطعة ، حتى أحاديثها مبتورة ، لا تسمح لك في عجالتها أن تجيب على أسئلتها ، وكأنها تسألك فقط لمجرّد الكلام ولا تريد أجوبة. ولا تفسح لك مجالاً لتبرّر شطط أقوالك أو شذوذ مواقفك ، فهي غير مهتمّة بتبريراتك ، أصلاً إن تحدّثتَ إليها فلا تكون...

هذا الملف

نصوص
182
آخر تحديث
أعلى