(1)
كانوا قد أحضروا كل مستلزمات سهرتهم .. نبيذ خالَطُه الغِش .. خبز فَتَّته بَلَلُ سائِل ما .. عظام ما زالت تحتفظ بِفضُلات مَجْد لحمها الذي ربما أفْلَت من بين أسنان تتعجل أن تقوم عن المائدة أو إستعصى على بَقايا أسْنان.. دجاج ميِّت لم يرَيَّش بَعْد ويُنتزع منه إعترافٌ بِجَريرة ما ، نحيل كأصابع...
يأتيني من المرافيء البعيدة ،
وشم خنجر، يومض على الساعد
ورائحة البحار والمحار
في جيوبه الداخلية .
وعلى جبينه المحروق بالملح
ألف أغنية ،
عن الحب ، والخمر ، والنساء .
يأتيني مطوقا برائحة الجزر
وطحالب الاعماق .
يحدثني عن الطيور التي تغادر مرافيء أحلامه .
في إتجاه الآفاق الفيروزية .
يرفعني إلى الأعلى...
إشتراني من سوق الأشياء المُسْتعملة ، بعد أن ساوم عليّ حتى بحّ و جفّ ريقه وكان قد أعطاني موظف سامي في إحدى الوزارات لِمتسوّل يجوب أزقة حيِّه الراقي ، كنت حينها ما زلت فتياً ولم أبلغ بعد مبلغ الكهولة ، خدَّايا كانا متماسكين ولم تكن لدي لُغُود تشوِّهُني فضْلا عن أني أتمتع بصحة جيدة يحسدني عليها...
إستقل الرجل طاكسي إلى ساحة "جَامَعْ لَفْنَا " ، إستأجرغرفة في أحد فنادقه ، أودع في الغرفة كيس قماشٍ ، الكيس الوحيد الذي كان يحمله وهو يترجل من الحافلة في المحطة الطرقية بمدينة مراكش .
جرجر في الساحة رجليه ـ المحشورتين داخل حذاء متهالك ـ هنا وهناك ! بحثاً عن صديقه الحاوي الذي لم يره منذ سنين...
- لم تعُد تفصلنا عن التلّة إلا أمتاراً قليلة .
قال إبراهيم ، ثم تابع سيره ملتحقاً بأصدقائه الذين أصبحوا بعيدين عنه وعن عمران .
كان إبراهيم قد حكى لِرِفاقه عن الجمل المجنح الذي يُرى محلقاً من رأس إحدى التلال المحيطة بالقرية . وفي ليلة اليوم الذي سمع فيه عمران الحكاية ، رأى في المنام ذلك الجمل...
كانَت إِنَاث الأَجْراس تُمْطر عَتْمة الليل رَذاذ مَعْدِنها
فتَشْتعِل بِالشَّيب أعْراف الدّيَكَة النَّائِمة ـ عَن صَلاتِها ـ بين تَفاِصيل الدَّهْشة
وكان الغَسَق يُحرِّض أسْراب القَمْل على أقِفِية الوسَائِد وعَانَات الأَرَامل
وفِي الحَانَات المُوَزّعة على كَتِف البحر ، إمْتدّت حِبال التّرقُّب...
ـ لماذا يضع هذا السيد قناعاً على نصف وجهه ؟ يا أبي
ـ حتى لا يأكل الذباب أنفه .
ـ لماذا تكذب على الصغير ؟ قالت الكلبة لزوجها الكلب
ـ لقد قلت له ما اعتقدته صحيحا ، فطالما ضايقني الذباب وأنا أحشر أنفي في ركام النفايات باحثا عن فضلات طعام ، وطالما فكرت في وسيلة أذود بها عن أنفي كي أبعد عنه تلك...