أحماد بوتالوحت

لا شَيْءَ يُوقِفُ نَزِيفَ الأَحْزَانْ ، كُلُّ شيْءٍ يَبْعَثُ عَلَى الأَلَمْ : رَائِحَةُ البُنِّ في الفِنْجَانْ ، الحِبْرُ عَلَى الأوْرَاقْ ، الشِّعْرُ فِي أمْسِيَات المَنَافِي ، الكُتُبُ المكْسُوَةُ بِالطَّحَالبِ وَالغُبَارْ ، الظِّلَالُ تَتَثَاءَبُ عَلَى دِهَانِ الجِدَارْ ، الفَرَاشَاتُ...
كانَ الشِّتاءُ عابِر سَبِيلٍ فَحَسْب ، وَلَا ضَوْء في الأُفُقِ يَهْدي الطَّير إلى سَقِيفَةٍ . عَظَايَا تُفَتِّش بَيْن أَقْمِشَة الضَّباب عَنْ دِفْءِ الشَّمس ، رُؤُوس تَسْقُط مِنْ عَل ، مُضْرَجَة بِسُخَامِ قُبَّعاتِها . قطارات تَرْكُض في الحُقول مَصْحوبَة بِمُوالِ السَّنابِل ، مَساءٌ ثَمِلٌ...
يَسْتَوْقِفُنِي عَلَى قَارِعَةِ الْأَحْلَامْ ، حَامِلاً جِرَابَ السَّفَرْ ، فِي صُرَّتِهِ خُفٌّ ، وَبَقَايَا تِينٍ مُجَفَّفْ . كَانَ يُشْبِهُ قِشَّ الْفُصُولْ ، أَوْ بَقَايَا أَزْمِنَةٍ تَحْتَرِقْ ، لَمْ يَعُدْ فِي ظِلِّهِ الَّذِي مَالَ عَلَى الطَّرِيقْ ، إلَّا فُضْلَاتُ قَمِيصٍ مِنْ خِيشٍ ،...
حِذٙائِي مُوحِلٌ كٙالأٙرْصِفٙةْ ، جٙوْرٙبِي داكِنٌ كٙسٙحٙابٙةٍ مُمْطِرٙةْ ، شٙعْري مُهْمٙلٌ تحْتٙ سٙنابِكِ الرِّيحْ ، أٙحْزٙانِي مُتٙهدِّلٙةٌ عٙلى كتِفِي ، كٙضٙفٙائِرِ الغٙجٙرْ ، كٙالصّٙمْغِ عٙلٙى لِحٙاءِ الشّٙجٙرْ . أمْتٙارٌ من المٙحٙارِمِ لا تٙسٙعُ دُمُوعِي . ثمّٙةٙ رٙبِيعٌ فِي عُيونِ...
صَلْصَلَةُ أَجْنِحَة الرِّيح توقِظُ ، من الأَسِرَّة ، النَّوافِذ ، وَتَدْفَعُ السَّتائِر نَحْوَ الفُضُول . إلى الغُرْفَة يَدْخُل الضَّوْء لَابِساً قِنَاعاً مِنَ الثَّلجِ وَالمِلْح ، وَتَحْتَ شَجَرةِ الضَّوْء تَطْرِفُ عُيونُ الكَراسِي . المِشْجَبُ فِي الرُّكْن يَشُدُّ علَى تَلَابِيبِ المَعَاطِف...
أنا مَرْفَأٌ لم تشرب أرصفته المُتَرَهِّلَةُ غير ملح الدموع ، مُتْعَبٌ أنا ،من حَمْلِ قُصَاصَةِ هذه الأمكنةِ كَأَسْنِمَةٍ مِنَ الغُبَارِ والجوعِ والعطش ، إِلَى الْجَحِيمِ أَيَّتُهَا المدن المسْكُونَةُ بِلَيْلِ النَّعِيبِ وَتُفِّ الأظافرْ ، الجراد يَلْتَهِمُ رماد الحقولِ والذُّبَابُ يَتَسَافَدُ...
حزني يُضِيءُ تحت سًقْفِ القمرْ ، وَدَاخِلَ قلبي تَخْتَلِجُ طُيورٌ حمراءْ ، وَفِي ذَاكِرَتِي ، مَطَرٌقديم يَسِيرُ بين الجُثثْ . سَأُؤَجِّلُ جُنُونِي قَلِيلاً وَ مَوْتِي قليلاً ، وَسَأَذْرُعُ شوارعك الرَّثَّة يا وطني ! رَافِعاً أغصَانِي كَالْبَيَارِقْ ، وَسَأَرُجُّ عظام قصائِدِي كَأَجْرَاسِ...
فِي مَمَالِكِ الغبار والضَّجَر ، شجرٌ يَعُضُّ عَلَى نَوَاجِذِ الحجر ، وأرصفةٌ تفتح نوافذها لِأَحْذِيَة الريح والمَطرْ ، وَقِطَارٌ يَعْبُرُ نحو الجنوبِ مُوشَّى بالدم والأنين ، وأنت تجهش بالأسى على خرائط المدن المَنْسِيَة ، مَيِّتٌ منذ زمنٍ بعيد ، وَهَا أحزان الْكَرَزْ تَسَّاقَطُ من سقف عينيك ،...
أَيُّ شَيْطَانٍ بَارَكَ هَذِهِ الْقُرَى الْمُخْتَنِقَةِ بِالضبابْ !؟ قُرُى ، خَذَلَتْهَا الْخَنَادِقُ وَالْبَنَادِقُ وَالْأَسْوَارْ ، وَمِنْ جُيُوبِ الْأَرْضِ تَضَوَّعَ الدَّمُ وَالدَّمَارْ ، وَفِي الْأُفُقِ نَاقُوسٌ يَخْتَبِرُ الْكَلَامْ ، فَيَتَرَجَّلُ عَنْ لِسَانِهِ الصَّدَأُ وَالْغُبَارْ ،...
أَرْبَعُونَ عَاماً وَعَلَى ظَهْرِهَا نَكْدَحْ ، أَرْبَعُونَ عَاماً وَفِي بَحْرِ عَرَقِهَا نَسْبَحْ ، أَرْضٌ لَا تُنْبِتُ إِلَّا تُرُوسَ السَّلَاحِفْ ، وَأَكْوَاخَ الْعَبِيدْ وَعَرَبَاتِ الْغَجَرْ . مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةْ ، وَبُؤْسٌ يَنْثِرُ ظِلَالَهُ حَوْلَ الْأَظَافِرْ ، وَذُبَابٌ يُغَطِّي...
ـ حمودة! أأنت صاحبها ؟ ! ـ والله ، يا أستاذة ،لست أنا ! ـ أهذه هي هدية رأس السنة الميلادية ، يا عفاريت ! كلفت المعلمة " سعيداً" ليتعرف على صاحب الفَسْوَةِ . - (جيفة) chrogne حشر سعيد أنفه بين الياقات وَشَمَّ جِلْدَ الأقفية ، وأخيراً طلعت " الحزقة" من جلباب "حمودة " ـ ماذا تغديت اليوم يا حمودة...
آلِهَةٌ تُيُوسٌ ، تَعْتَمِرُ قُبَّعَاتِ خَسَارَاتِهَا ، تَتَسَكَّعُ بَيْنَ أَفْخَادِ الْأَسِرَّةْ ، تَارِكَةً أَثَرَ أَحْذِيَتِهَا عَلَى الْأَقْفِيَةِ الْمُهَلْهَلَةْ ، أَيَةُ خَسَارَةٍ هَذِهْ!؟ أَيَادٍ تُدِيرُ مَرَاوِحَ الْجُوعْ وَأَعْوَادَ الْمَشَانِقْ ، وَتُبَارِكُ رَمَادَ الْفُصُولْ ...
في المدفأة ترمح في جنون جنود أحصنة اللهب ، وتحرق رماد الأزمنة . وعلى الكنبة ، أشعلت سيجارة وحدتها ، إمرأة تجهش بالحنين . باغتراب الأعقاب إكتضت منفضة الأحزان فغصت الأصابع بالبكاء حين لامست حد الفنجان الفارغ . من أصيص أيامها المتبقية سحبت زهرة الإنتظار قشرت سنين عمرها فطارت فراشات الخريف...
إني أرى أرمدة في الأفق ، تحترق . وأشباحا تتثائب في الخرائب . لدى ، سأقرع نواقيس الكنائس ، وأشعل في البيوت الواطئة ، الفوانيس . فالملائكة ستتأخر هذا المساء ، ربما ، خوفا من نزلة برد حادة. فأمي تطيل صلاتها في المساجد ، حتى تسيل الدموع من عينيها حجر. وأنت يا إله يسوع ، الدامي العينين . ساعدني ، كي...
يَمْشِي الصَّنَوْبَرُ فِي مَوْكِبٍ جَنَائِزِي وَالنَّوْرَسُ الْفِضِّيُ يَحْرُسُ وَطَنَ الْمَوْتَى . * مَلَائِكَةٌ مِنْ جَلِيدٍ ، تُشْعِلُ ثِقَابَ أَصَابِعَهَا ، الْمَوْبُوءَةَ ، فِي مَوَاقِدِ الْمَسَاءْ . * فِي إِسْطَبْلَاتِ السَّمَاءْ الْخُيُولُ ، نُجُومٌ مُطْفَأَةٌ . * تَنْجَدِبُ الفَرَاشَاتُ...

هذا الملف

نصوص
124
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى