مهند يونس

إلى روح "مهند يونس" صباح رام الله البهيّ ومساؤها هذا يجعلان مهمتي صعبة. فكيف تكون الحياة سائلة ومفرحة إلى هذا الحد وأستطيع الحديث عن الموت؟ كيف يمكن لضآلتي أن تمسك شعاعاً هارباً وتشرحه؟ وكيف يمكن لمن لم تَرَ أن تدَّعي المعرفة، وأن تستجوب الذاهب الذي رأى، وتحمله إلى نزول الدرجات القديمة بعد أن...
كنت في السوق أعمل في أحد محلات الملابس النسائية، عندما رأيتها أو بالأصح: عندما رأتني- فهي ترى مني أكثر مما أرى منها. أعرف الشفاه التي تضحك، والخدود التي تُمَطُ وتُشَدُ والأَجْبُنٌ الغارقة في تجاعيدها من شدة الضحك، لكنّي لستُ معتادًا على العيون التي تضحك، كيف لك أن تعرف أن ثمّة عينان تضحكان بدون...
كان حجمها برأس نملة لكنها كانت قادرة على التطويح بهذا الجسد الكبير وجعله يتهاوى دابًا الأرض، لقد كان الرجل في معرض بحثه عن الله في سنوات حياته الأخيرة، فقد أضحى يصلي بل ويصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع. لا يريد للقطار أن يفوته. خمنت بفعلها هذا أنها قدمت اليه معروفًا، من يظفر بموتة كهذه،...
صندوق مكعب، تقتحمه أشعة الشمس خجلًا مرتين في اليوم. يسكنه اثنان لا يقيم أحدهما أهمية للآخر. لكن بعد مضي بعض من الوقت على إقامة النزيل الجديد، أراد من يؤنسه ولو جرذ! فكان له ما تمنى. رآه يتسلل من ثقب محدد، يقرض بقايا الطعام، يتطفل عليه، ويطمئن على مقدرته على ابتلاع الضوء المقنن لألاّ يصاب بالعمى...
ما زلت أذكر جيدًا ذلك اليوم الذي التقيتُك فيه لأول مرة، كنتُ في الثانوية العامة، وطوال الطريق إليك كنتُ- كعادتي قبل الذهاب إلى أي لقاء مهم- أتخيل كيف سيكون اللقاء، بل وأتمادى في رسم الحوارات والسيناريوهات المتوقعة. صافحتَني بحرارة ثم تحسست وجهي بين يديك. تنظر إليّ وتقول في نفسك، كيف تحوّل ذلك...
ذلك الشاب الساخط المتذمر ، يُطِلُ من بين ماكينات التصوير ، رافعًا حاجبيه كدلالة على أنه لم يسمع ما يريده الطلاب ، ثم يعود ليدس رأسه في ماكينة التصوير ، التي أقامت وأصابعه علاقة طويلة الأمد ، حتى صار بامكانه التعامل مع آلتين في الوقت ذاته كأنه -ياني- حين يعزف على أكثر من أورغ في آن واحد . تلك...
على الخريطة. تساقطت تباعًا كسماء أمطرت مقصلاتٍ في ليلة بلا غيم ٍ، ثم بطريقة ما أصبحت جزءًا من الشجر والبشر و الحجر ، لم يمت أي شيء ، ولم يعش ، ظل كل شيء معلقٌ على هاوية الحياة ، ولا تزال العنقاء تنتظر رمادًا كافيًا لتنتفض. والحدود مساحةٌ عابرةٌ لقضاء ما استعصى قضاءه خلفها أو أمامها ، كأن ينتقل...
صفع باب الكوخ ،كأنه يحمله معه خارجًا. مضى بخطى غير محسوبة نحو البحيرة التي تتوسط الغابة ، متعاركا مع أفرع الشجيرات المتهدلة وأوراقها المتشابكة في طريقه. عندما وصل جلس القرفصاء يبكي من داخله ولا تجاوبه الدموع. التقط حجرا وأرسل معه حظه العاثر قبل أن يرميه بالبحيرة كأنه يلوح بفأس. تقافز الحجر عدة...
التاسعة مساءً، لا كهرباء، اللّيدات تلقي بضوئها الخجول على الورقة، اعتدت الكتابة على اللابتوب، لكنه معطّل والايباد بطاريته نفذت، نصف سيجارة بيدي اليسري يتصاعد منها خيط أبيض نحو السقف ويدي اليمنى يحرّكها القلم الاسود. الآن سأكتب القصة، هل من السيء أنها تحتوي على الكثير من الحوار؟! أعددت كأس شاي...
أروي في السطور التالية أدناه، حواري مع صديقي غريب الأطوار، في الحقيقة أشكّ أن صديقي هذا يعاني هلاوسَ، أو ربما أنا من يعاني منها، لم ألتقِ به منذ أشهر، لكننا التقينا البارحة مجددًا في حديقة صغيرة بجانب بنك الدم قرب دوار حيدر عبد الشافي. جدير. بالذكر أني لم أستأذنه بالنشر، لأنه سيرفض، لكني لم...
ينهض الروائي لمكبته، ليهمّ بإكمال الفصل الثالث من روايته، ينظر باستغراب، تجحظ عيناه، ينسحب بجسده إلى الخلف، يفرك عينيه أكثر من مرة، ويلقي باللائمة على نوع سجائره الذي قام بتغييره مؤخرا، لكن لا شيء بإمكانه فعله، يقلب الصفحات، يبحث هنا، يبحث هناك، كل أسماء الشخصيات وضمائر الملكية وضمائر الغائبين...
كان السيد سين مهووساً بجمع الاسطوانات الموسيقية، لقد كان يمتلك حساً موسيقياً مرهفاً، ورغم ذلك فلم يتعلم الموسيقى أبداً. كل حبه للموسيقى تمثّل في الاستماع لها. كان يستمع كأنه يصلّي، الموسيقى الكلاسيكية بالذات. في منزله الصغير جداً، دائماً ما كان يُسمع من داخله صوت الإذاعة الكلاسيكية ليل نهار...
الزوجة السبعينية التي تستيقظ كل صباح لتجد السرير إلى جانبها خاويا، ستستيقظ هذا الصباح لتجده خاويا أيضا، لكنه ليس دافئا، فلن تكون قد رأت زوجها في المنام هذه الليلة! عامل النظافة الذي حفظ خارطة القمامة المتناثرة في ساحة المدرسة، بعد انقضاء الاستراحة سيتوقف قرب تلك الشجرة مرتبكًا متجمدًا في...
لماذا يسعى الفرد إلى التمسك بفردانيته في مجتمعاتنا الحديثة؟ (فلوريان غورنتر/Getty) يقول، كارل ماركس إن المنظومة الاقتصادية السائدة هي التي تحدد طريقة تفكير الفرد، وكان يقول إن المشروع الليبرالي مختل لأنه يجعل الناس يحملون أفكارًا مزيفة عن العمل ورأس المال وحتى عن أنفسهم. وكذلك موسوليني كان يقول...
تطلّ من شباك بيت الجيران- الذي لم ألحظه سوى الآن- فتاة تبتسم بمكرٍ، أبتسم لها ببلاهة، تلقي بماء الغسيل فوق رأسي، ألتفت مرة أخرى وأحييها، أمشي بضع خطوات، وأتحسّر على نصف سيجارة، تحتبس في صدري. أركب سيارة الأجرة، بجانب السائق الخمسيني، يبتسم لي، بثلاث أسنان أمامية، أستلُّ سيجارة لأشعلها، فيعترض...

هذا الملف

نصوص
24
آخر تحديث
أعلى