ميس داغر

أمامَ محلِّ صرافةٍ شهيرٍ في السوق، تفترشُ الأرضَ يومياً متسوّلتان عن يمين باب المحل وشماله. الأولى شابة، بوجهٍ نحيلٍ رماديّ -لا أدري كيف اكتسب لوناً كهذا، ولكنه رماديّ بالفعل- وحاجبين كثّين، تجحظ من تحتهما عينان حقودتان مُسلّطتان دائماً وأبداً على المتسولة المقابلة، والتي هي عجوزٌ هابطة،...
أمام محلّ صرافة شهير في السوق، تفترش الأرض يوميًّا متسوّلتان عن يمين باب المحلّ وشماله. الأولى شابّة، بوجه نحيل رماديّ - لا أدري كيف اكتسب لونًا كهذا، لكنّه رماديّ بالفعل - وحاجبَين كثّين، تجحظ من تحتهما عينان حقودتان مسلّطتان دائمًا وأبدًا على المتسوّلة المقابلة، الّتي هي عجوزٌ هابطة، تَشْخَصُ...
أتنبّه إلى أنّ مقاعد المتنزّهين قريبة من بعضها بعضًا، كيف نسيتُ هذا؟ ولعلمي أنّ الناس تستهويهم مراقبة بعضهم بعضًا، أتوتّر، وأُعيد شفرة الحلاقة بهدوء إلى حقيبة حاسوبي المحمول، بعد أن كنتُ سحبتها منها منذ ثوانٍ. كفّاي المبقّعتان بالحروق كافيتان وحدهما للفت الأنظار؛ فكيف بهما إن حملتا شفرة حلاقة في...
بردت القهوة في الفنجان من غير أن تمسّها شفتاه. استمرّ عبدالله لأكثر من ربع ساعة يحدّق بشرود في التقرير الّذي وبّخته المديرة بشأنه وطلبت منه تصحيحه. ومشكلته الآن أنّه بدأ يشعر بتصلّب مزعج في أصابعه يمنعه من العمل في التقرير مرّة ثانية. من خلف شاشة حاسوبها، ظلّت زميلته في المكتب تراقب إيماءات...
صففت المليارديرة، مُترهّلة العنق، أطقم ألماسها الجديدة في خزنة القصر بأجفان ذابلة، بدلاً من فردها على المنضدة أمام مرآتها كما اعتادت أن تفعل طوال حياتها، ثمّ خرجت إلى الشرفة لترتشف القهوة برفقة زوجها الجالس هناك، الذي يتنعّمُ في وسامة الشعر الرماديّ هذه الأيام. حال جلوسها إلى جواره، أشار...
نشرَ كاتبٌ فُكاهيٌ في أحد المواقع الإلكترونيةِ قصةً بعنوان “القملةُ التي ارتكبت الفاحشة”. بعد ساعةٍ من نشر القصة وردت رسالةٌ شديدةُ اللهجة إلى بريد مدير الموقع الإلكتروني، ممّا ورد فيها: الأخ مدير الموقع، أرجو منك حذف قصة “القملة التي ارتكبت الفاحشة”، إذ إنّ الحديث العلنيّ عن الفواحش ومرتكبيها...
اعتادت منذ نعومة أظفارها أن تطلّ على بيت الرب من نافذة منزلها المروية وروداً في البلدة القديمة، ثمّ تنزل خطوات قليلة أبعد من عتبتها فتجد نفسها في الباحة الكنسية الواسعة. أمّا منذ سنة، فصار يتعيّن عليها أن تقطع المسافة الطويلة بين منزلها الجديد البعيد باتجاه حارتها القديمة الساكنة في شرايينها...
يختلف القراء في تفسير أسباب انجذابهم إلى كتب (أدبية وغيرها) بعينها دون غيرها. بالنسبة لي، أرى أنّ هنالك ما يمكن أن نطلق عليه "العنصر النادر"، والذي وجوده في الكتاب أو عدمه، يكون عاملاً حاسماً لي في تصنيف هذا الكتاب ضمن العاديّ أو المبدع. الكتاب ذو العنصر النادر، هو ذلك المؤلَّف الإبداعي الحيّ...
ثبّتت أمّ عطا قبضتيها بحزم على جانبيّ خصرها، وكانت الدماء الحارّة تغلي في رأسها وهي تنفجر في زعيق حادّ تعاتب زوجها الذي كان يحدّق فيها باضطّراب، وأصابعه تلفّ ورقة سجائر من أردأ أنواع التبغ المفروط: بتتذكّر لمّا قلتلّي في دار أبوي، لمّا جيت تطلبني قبل واحد وعشرين سنة، مصاريكي رح تظلّ إلك...
وقف رجل في طابور المنتظرين أمام الصرّاف البنكيّ الآليّ في منتصف رام الله، فسمع أحدهم يتحدّث عن الطريقة التي يحوّلوننا فيها، من خلال الرواتب، إلى شعب استهلاكيّ، لا يفكّر إلّا بالقرش. شعر الرجل بوخزة عميقة في ضميره عند سماعه الكلام، وساوره شعور بالغثيان. غير بعيد من الصرّاف الآليّ، كانت امرأة تقف...
أحد أيّام شهر آب من عام 2300 للميلاد. ينتظر الأخصّائيّ النفسيّ رامز، بطفر شديد، ما تبقّى له من وقت لانتهاء الدوام. لم يزره في عيادته منذ الصباح سوى مريضين بشريّين. يسير عمله منذ شهور بهذه الوتيرة البطيئة، فالبطالة المتفشّية بين البشر حرمت آلاف المرضى القدرة على دفع ثمن العلاجات النفسيّة. يفكّر...

هذا الملف

نصوص
11
آخر تحديث
أعلى