محمد الرياني

غربت الشمس ونحن ننتظر الأغنام، صعد الدجاج لينام، أقبل الليل بسواده ونحن ننتظر، في تلك الليلة لم تعد الأغنام مباشرة، تفرقتْ في البيوت المتناثرة، بتنا نطارد ودقات قلوبنا ستشق صدورنا، تفرقتْ بنا، لم نسلم من الأشواك ولا من مطاردة الكلاب ونحن نطارد هذه الأغنام المشاغبة، ساعدَنا أهل القرية بمحاصرتها...
يمسكُ قبضتَها الصغيرة ،صفراءَ كالوردِ من الخارجِ وحمراءَ من الحنَّاء في الداخل ، يمارسُ اللعبَ معها لتضحك ، عندما يَرى بريقَ أسنانِها وهي تلمعُ كالوميض في ليلةِ شتاءٍ يبدأُ بسحبِ أصابعِها العشرِ واحدةً واحدةً ليفرقعَها وهو يحكي لها مع كلِّ إصبعٍ حكايةً قصيرةً فتضحك وتطلب المزيد ، انتهى من...
كلُّ ما في الأمرِ أنه نسيَ البابَ مفتوحًا، لم يكن يقصدُ فِعلَ ذلك؛ في الآونةِ الأخيرةِ يُكثرُ من النسيان، لا يعرفُ إن كان بدايةَ مشكلةٍ حقيقيةٍ أم أنه نسيانٌ عارض، مع أنَّ البابَ لم يدمْ مفتوحًا طويلًا إلا أنَّ بعضَ الحشراتِ وجدتْها فرصةً كبيرةً وكأنها كانت تختبئ قريبًا لتدخلَ إلى المنزلِ الواسع...
يفوحُ الصباحُ بريحِ قهوتها، تنسابُ روعتُها فتصحو نساءُ الحيِّ على شذى الرائحة، تمتدُّ الظلالُ وكأنها تفرحُ بهذا الجمال، تبادرُ الجاراتُ فيسألنْها عن سرِّ قهوتها، عن الخلطةِ العجيبة، وعن قشرِ البنِّ والزنجبيل، لاتكترث للسؤال، ترتفعُ على كرسيٍّ خشبيٍّ كي تنالَ الفناجينَ المعلقةَ في السلةَّ...
عندما أحبَّ ليلى ابنةَ الحيِّ الضيق، كان هناك مَن يرغبها، لم يكن متأكدًا من شعورها، هل تحبُّه أم تحبُّ مرتادَ المقهى القديم، هو يحْلقُ رأسه بشفرةِ حلاقةٍ يشتريها من الدكان المجاور؛ بينما الآخر لايحلق رأسه ويتباهى بكثافةِ شعرِه وطولِه أمامَ أقرانه، ومع بروزِ تغيراتِ الشبابِ ظهر أجملَ منه مع أنه...
وقفنا صفًا طويلا في نهارٍ حار للحصول على وجبةِ فولٍ من مقصف المدرسة ، الفسحة كانت بعد الحصة الثالثة من اليوم الدراسي، بعضنا كان يلبس على رأسه غطاء من الشمس والآخر يكاد شعْره يحترق، عدد الأطباق المتناثرة في فناء المدرسة لايفي بعدد الطلاب، معظمها لايزال يحتفظ ببقايا الفول من إفطار أمس، كنتُ...
يقلِّبُ ذراتِ السكر في الكوبِ الساخن ، تتحركُ حباتُ البَرَد فوق الأغصان من فوقه فلا تصل إليه، المقهى المفتوح من جهة المطر يخلقُ أجواء مختلفة وسطَ فصول ومشاعرَ متباينة ، جلستْ إلى جواره خلفَ الطاولةِ الأخرى تفعل مثله، تقلّبُ بملعقتها السكرَ في الماءِ الذي تتصاعدُ أبخرته وسَطَ البرد ، بدت سعيدةً...
نسوق الأحلام إلى خط النهاية، لم نكن نعلم حقيقة الأحلام، ضحكاتنا، مساءاتنا، ليالينا المقمرة، ركضنا في الصباح، مزاحنا لدرجة العراك والعتاب والهجران، أقول لها بعد الخصام :هذه آخر محطات المزاح، تهزأُ بي ثم تركلني فتسقط على الأرض، يُغشى عليَّ من كثرة الضحك على ريشة وقعت على الأرض ليحركها الهواء،...
لماذا لاتصدقينَ أنَّي أُحبك ؟ أستغربُ .. أتعجبُ ! قال لها: هذه هيَ آثارُ الجرحِ الذي خلَّفَه عودُ الحطبِ اليابسِ الذي تعثرتُ فيه وأنا أحاول التسلُّقَ لأجلبَ لك الثمرةَ البرتقاليةَ الحلوةَ في رأسِ الشجرة ، كنتُ أرى الحيَّة تتدلى لتنتزعَ العصفور من عليها فممدتُ يدي المتهورةَ قبلَ فمِها المسمومة ،...
ماذا لو فرشتِ لنا الأرض من جنائنك؟ هل كنتِ ستخسرين شيئًا من عبيرك؟ هل سينفدُ أريجُ الأوراق؟ سنكون أروع اثنين افترشا الرمل وتوسدا الذرات الدقيقة. لن نبالي لو تذوقتْ خصلات شعرنا من المكان الذي تدوسه الأقدام قصدًا أو دون قصد. سنفرح كثيرًا كثيرًا، وسنجعل من صباحنا الأغر عنوانًا لحديثنا العفوي، لن...
منذُ أن غابت ليلى عن (كاونتر) الاستقبالِ وهو عازفٌ عن شُربِ القهوة ، آخر مرةٍ شربَ فيه قهوةً كانت من صُنع يدها ، انسلّت من خلفِ الصفوفِ لتصبَّ له خُفيةً وتقول له إنها لم تُشرب أحدًا غيره من هذه القهوة ، قالت له حينئذ : هؤلاء الذين يحتسون القهوةَ لإزهاقِ الوقتِ يشربون قَهوةً من صُنعِ العاملاتِ...
قالَ لها منذُ زمنٍ لم نحتفل بزواجنا ! عندما قال لها ذلك كانت يدُها تفوحُ برائحةِ البهاراتِ والتوابل ، وقفَ ينتظرُ ردَّها عندَ عتبةِ المطبخ ، ردَّت عليه بأن الوقتَ غيرُ مناسبٍ ليقولَ لها هذا ، عيونُ الموقدِ تشتعلُ وفوقها أربعةُ قدورٍ للغداء ، كان ظهرُها يتجه إليه وهي تجيبه : دعنا نتناولْ طعامَ...
تتزاحمُ النجماتِ من فوقهما على السهر، يسمران وقد توزع الضوءُ في الطبقِ العلويِّ الذي فوقهما ، أمامَهُ طبقٌ من الكعكِ وملعقةٌ ذهبية ، وأمامَها طبقٌ آخر، طبقُها لؤلؤيٌ بلونِ النجوم وملعقةٌ بيضاء ، أقربُ نجمٌ يكادُ يسقطُ بينهما من لمعانِه في ليلٍ أسودَ لايُرى فيه إلا بياضُ النجومِ ولونُ أسنانهما...
قالت عنه وقد تكرَّر رَسمُها له: إنَّه يُشكِّلُ لها إلهامًا وتخيُّلًا في رَسمِ لوحاتِها ، عندما خرجَ سِرُّها من خَلفِ اللوحاتِ التي رسمتْها تعمَّدَ حضورَ معارضِها حتى تلك البعيدة عنه ، أسرَّت لصديقاتِها إنَّ ملامحَه السَّمراءَ تجعلُها تختارُ الألوانَ الداكنةَ التي تفضلها والتي لاقت إعجابًا...
تركَ على الأرضِ مخلفاتِ إصلاحِ دراجته ،آثارُ بقعِ الزيتِ والزيتُ الأسودُ المحترقُ وبعضُ القطعِ تشوِّهُ المكان ، أدارَ المحركَ فانطلقَ الصوتُ لتخرجَ أمَّهُ من الداخل ، قالت له : لم يُتعبْني أحدٌ في ولادته مثلك ، إخوتُك خرجوا إلى الدنيا بسهولة ؛ رؤوسهم إلى أسفل وأنتَ قَدَّمتَ قدميك مع الولادة ،...

هذا الملف

نصوص
81
آخر تحديث
أعلى