زكي نجيب محمود

كانت الفلسفة وهي في مهدها مطمئنة إلى تلك الأداة التي اتخذتها سبيلا إلى تفهم الكون وما يحوي من سر مكنون، فكانت تأتمن هذا العقل الإنساني وتثق به وثوقا لا يعرف الشك، ولكنها ما لبثت أن اشتد ساعدها واستقامت على قدمين راسختين، فانقلبت على تلك الأداة نفسها، وداخلها الريب في أمانتها ودقتها فيما تنقل إلى...
لسنا نحسب أن داروين، حينما أذاع رأيه في تنازع البقاء وبقاء الأصلح، كان يدور في خلده أن ذلك الرأي سيكون له من العمق والسيطرة الفكرية ما له اليوم، وأنه لن يقتصر على الأحياء من نبات وحيوان، بل سيتعداها إلى كل لون من ألوانالنشاط الإنساني؛ فأساليب الحكم، والدين، والأدب، والفن، والفلسفة، كل هذا وما هو...
عصره: سادت في أوروبا روح التشاؤم في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وتملك النفوس يأس قاتل، وارتفعت بذلك أصوات الشعراء والفلاسفة في كل ناحية من نواحيالقارة: بيرون في إنجلترا، ودي موسيه في فرنسا، وهيني وشوبنهور في ألمانية. ولقد يقف المرء امام هذه الظاهرة العجيبة وقفة لا تطول كثيراً حتى يجد...
كان راسخا في الأذهان إلى عهد قريب أن دراسة التاريخ بعيدة كل البعد عن دقة العلوم الطبيعية، ذات القوانين الثابتة المطردة، من حيث طريقة البحث، وانتزاع الأحكام الكلية من الأمثلة الجزئية، لأنه رواية لأعمال الإنسان وسلوكه فرداً ومجتمعاً، وعلى ذلك فهو لا يخضع لقانون دقيق، كما تخضع العلوم الرياضية مثلا،...
أخي س: . . . لم أكن أتوقع من صروف الدهر مهما أسرفت في عبثها، أن تُخرج منك، وأنت القديس المتبتل في يفوعتك، زنديقاً يكفر بما كان يؤمن به قلبك ويدين!! حتى جاءتني هذه الرسالة منك، ففضضتها وأجلت فيها البصر سريعاً، فإذا بصفاتك تختفي وتتنكر، وإذا بك تبدو لعين صديقك إنساناً غريباً يشك بعد يقين، وينكر...
إن المرأة بحكم تكوينها لا تستطيع أن تضطلع بجليل الأعمال - الجسمي منها والعقلي على السواء، وإن رسالتها في الحياة لتنحصر في الانسال وتعهد الأطفال، مع وجوب طاعتها للرجل وخضوعها له؛ فقد شاءت لها الطبيعة أن تسلك في حياتها سبيلا هادئاً مطمئناً وادعاً، لا تصادف فيه ما يصادف الرجل في حياته من التطرف في...
لقد لبثت الفلسفة دهراً طويلاً تسبح في سماء الفكر المجرد فلا تصغي بآذانها إلى الحياة العملية التي تعج بأصدائها أرجاء الأرض جميعاً. ولا نحفل بالواقع الذي تراه الأبصار إلا قليلاً فقد قصرت مجهودها - في الأعم الأغلب - على جوهر الأشياء في ذاتها، وأخذت تسائل: ما المادة وما الروح وما مبعثها ولكنها باءت...
ولكن مهلا! فلأنصار الروحية من البراهين على وجود الله ما يقوض هذا المذهب ويدكه من أساسه دكاً، لأنه إذا ثبت وجود الله فقد نهض الدليل على صدق العقائد الدينية قوياً دافعاً، وبطل هذا الهراءُ الذي يهرف به الطبيعيون، ونحن نتخير من تلك البراهين ما يلي: (1) أن ما في الطبيعة من نظام دقيق وجمال خلاب...
إذن فالجامد والحي شيئان مختلفان أشد ما يكون الاختلاف، وليس من اليسير أن يسيغ العقل أنهما جانبان لحقيقة واحدة هي الطبيعة، وأنهما يسيران وفق قانون واحد هو قانون الطبيعة؛ ولعل أعقد المشاكل التي يصادفها المذهب الطبيعي هي هذه: كيف أنتج الجماد عالم الأحياء وبين موات الجماد وحياة الأحياء ما رأينا من...
هو ضرب من ضروب الفكر ونحو من أنحاء النظر، لا يذهب في بحثه وراء حجب الطبيعة وأستارها، بل يحصر نفسه في نطاق الطبيعة وحدها، يتقصى بالنظر ما شاء من وجوهها، ثم يقنع بهذا فلا يعدوه قيد أنملة. عنده أن الحقيقة التي لا حقيقة بعدها هي هذه الطبيعة التي تراها بعينك وتلمسها بيديك، وهي هذه الأرض وتلك السماء...
.... إذن فقد كانت آسيا الصغرى مهداً تقلب فيه الوليد الجديد وظل حيناً يتعثر، حتى استقام بعد لأي على قدمين لم ترسخا إلا في عسر شديد، فقد حدثتك في فصل سابق أن العقل الناشئ لم يكد يستيقن من وجوده، حتى أرسل البصر يستطلع أصل الوجود، وجاهد ما استطاع لكي يصل في تعليله إلى مبدأ معقول، فالتمسه في الماء...
1 - نظرية ذرات القوة 2 - التآلف الأزلي 3 - نظرية المعرفة 4 - الله والعالم لست أدري كم ندنو من الحق حين نقرر أن لكل أمة طابعا في التفكير يطبع إنتاجها الفكري بوجه عام، ولولا أن ما تبادله الأستاذ الكبير الدكتور طه حسين والأستاذ العقاد لم يجف مداده بعد لزعمت هذا التقييم في يقين لا يعرف الشك. ألا...
وقع لي منذ سبع سنوات كتاب، لعله أنفع ما قرأت من الكتب، لأنه غاص بي إلى قلب الطبيعة ولبابها؛ فقد كنت قبل قراءته لا أفهم إلا عن بني الإنسان دون ألوف الألوف من الكائنات التي تملأ فجاج اليابس وأغوار الماء، فعلمني هذا الكتاب النفيس كيف أفهم عن الحيوان ما يريد. فلئن كان الإنسان يلوك لسانه يميناً...
شرحنا في المقال السابق فلسفة سبينوزا الميتافيزيقية التي تتلخص في أن في الكون حقيقة واحدة خالدة، هي عبارة عن قانون عام شامل لا ينقص ولا يزيد. هذه الحقيقة الخالدة، أو هذا القانون الشامل، لا يمكن أن يعبر عن نفسه ويفصح عن حقيقته إلا بواسطة الأجسام المادية، فاتخذ من تلك المادة التي تملأ جوانب الكون،...
لم يكد سبينوزا يبلغ سن الشباب حتى انكب على الفلسفة يدرسها دراسة صادفت في نفسه هوى. فأخذ ينهل من مواردها العذبة ويؤثرها على كل شيء وقد طالع فيم طالع فلسفة برونو فوقعت منه آراؤه موقع الإعجاب وامتلأ ذهنه بما قاله ذلك الفيلسوف من: أن الوجود في جوهره وحدة متجانسة وإن تعددت ظواهرها. إذ نشأت جميعها...

هذا الملف

نصوص
31
آخر تحديث
أعلى