رمال الصحراء تشهد ، والشمس والقمر الذي غاب ليلتها انه مر من هنا ، عاش هنا ، أكل الطعام المجفف وشرب الماء من الزمزامية ورقد هنا وحارب هنا، ليلتها كان الظلام يلف المكان ، القمر غفل بفعل سحابة متمردة غلقت عيونه للحظات حتى لا يرى محبوبه وهو يبتسم للمرة الأخيرة . أعمدة الإنارة على جانبي الطريق غفلت هي الأخرى في تلك الليلة التي ظهر فيها مصطفى في أول الشارع المتمدد الواسع . ظهر من بعيد مثل شبح ممتلئ ،تميز خطواته المتثاقلة زكه خفيفة من ناحية الركبة اليمنى التصقت به منذ سنوات حينما ضرب السكري أوصاله...
مقدمة تاريخية لابد منها مسار الابداع في القصة القصيرة في مصر راسخ في القدم ، وهذا الحديث ليس من قبيل الفخر أو مجرد ادراك أو مشاعر شوفونية ضيقة الافق ومعطلة بالتأكيد لمسارات التطور والتقدم ، بل يستند على أدلة تاريخية تثبت ولع المصريين بهذا الفن الإنساني الذي يتطور ربما كل لحظة مخترقا خلجات الإنسان والحجر والشجر ، ومشكلا نبضا ابداعيا حيويا رائعا يصنع البهجة في الواقع الإنساني /الاجتماعي على الرغم من ثقله ورداءته. والحكي غريزة إنسانية مدهشة ، بفضلها احتفظت الإنسانية بالأرشيف الذي يكشف عن وجودها...
كوز الذرة مقبوض بين أصابعها المتيبسة، تقضم حباته المحروقة بشغف لافت، كأن المقبوض بين اصابعها قطع فاخرة من اسماك الدنيس والجمبري وشُربة السي فود وأشياء أخرى على نفس الشاكلة التي يتلذذ بها أعظم الأثرياء في مطاعم القاهرة الفاخرة، والتي لم تتشرف بالنفاذ الى مداركها الضيقة خلال حياتها العريضة التي تجاوزت السبعة عقود. بعض من قواطعها ما تزال صامدة مع الزمن، تسرح حشٌا في حبات الذرة المحروقة مثلما يحش الفلاح برسيمه بالمنجل. بعد أن فرغت استدارت للخلف بيسر، ما يزال جسدها النحيل يتنسم ببعض الرشاقة...