إني أكاد لا أصدق، يخيل إلي أن لا تغيير طرأ على حياتي كل شيء من حولي وكل الأصوات التي تبلغ سمعي تؤكد لي أنني لم أفارق هذه الغرفة التي أتمدد فيها الآن.. غرفة ضيقة ذات أثاث حقير، سريران يكادان يلامسان الأرض، وثياب مكدسة في إحدى الزوايا، وإلى جانبها مجمر وبراد تحيط به ثلاثة كؤوس من غير صينية.. ارفع بصري إلى السقف فأصافح العنكبوت، وقد امتدت خيوطه في كل اتجاه، والمح خنفساء تحبو على مهل كأنها في نزهة الصباح! أما الشباك الصغير فيطل على شارع السويقة، ومنه يبلغني خليط عجيب من الأصوات والروائح.. أصوات...
كان شتاء يدلف إلى أيامه الأخيرة، والأمطار قد خفت وطأتها، والرياح تعزف لحنا حزينا، وسحب دكناء تغلف السماء، والطبيعة رغم الصمت الذي يلفها، يوحي إليك مرآها أنها تتأهب لاستقبال موسم جديد. لم يكن المساء قد حل عندما كنت واقفا في حديقة البيت مستندا إلى فرع شجرة توت.. ولم يكن في البيت إلا ((أم عبده)) والدة الفراش، وكنت ألمحها من بعيد وهي تتوضأ لتصلي المغرب. وكان الكلب تستشيره أصوات الرياح، فيندفع صوب الباب، ولكنه سرعان ما يتبين خطاه فيعود ليقعد بجانبي. كنت أحاول ألا أفكر في شيء، وأن أنسى عالمي...
ساح دمي على الطوار. انفصل الرأس عن الجسد كأنما قطعه سيف بتار. عز علي أن تظل جثتي ملقاة على الإسفلت فتدوسها شاحنة أو عربة نقل. حاولت أن أصدر الأوامر إلى يدي لترفعا الجثة. لكني أدركت أنهما لم تعودا خاضعتين لتوجيهاتي. الشرايين والأوردة تتدفق نافورة جامحة فتتسع البقعة، متطلعة، ربما، إلى تحقيق مشروع بركة حمراء. المارة يتابعون طريقهم لا تكاد تلامس عيونهم دمي المسفوح. يتحاشون الرشاش ولا يلتفتون، سمعت شيخا وطئت قدماه البقعة الحمراء فاتسخت بلغته، يتمتم : "لا حول ولا قوة إلا بالله" أنا أيضا لم ألمح...
ساح دمي على الطوار. انفصل الرأس عن الجسد كأنما قطعه سيف بتار. عز علي أن تظل جثتي ملقاة على الإسفلت فتدوسها شاحنة أو عربة نقل. حاولت أن أصدر الأوامر إلى يدي لترفعا الجثة. لكني أدركت أنهما لم تعودا خاضعتين لتوجيهاتي. الشرايين والأوردة تتدفق نافورة جامحة فتتسع البقعة، متطلعة، ربما، إلى تحقيق مشروع بركة حمراء. المارة يتابعون طريقهم لا تكاد تلامس عيونهم دمي المسفوح. يتحاشون الرشاش ولا يلتفتون، سمعت شيخا وطئت قدماه البقعة الحمراء فاتسخت بلغته، يتمتم: "لا حول ولا قوة إلا بالله" أنا أيضا لم...
ليلة من ليالي الخريف وهو في غرفته يحاول أن يبعد عنه الهواجس والأفكار، ليستقبل النوم... إلا أن رياح الخريف كانت تهز خلال الأشجار فيبلغه صفيرها ويوقظ في نفسه أحاسيس حادة حاول بغير جدوى أن يتلافاها. لا يدري لماذا يذكره صفير الرياح بتجدد الطبيعة وتهيئها للتغير، كل شيء يتغير ويتجدد من حوله... الرياح تقطع أميالا طويلة ساحبة في طياتها بذور الثورة على ما خلفه الصيف، فتنزع الأوراق التي شاخت لتفسح المجال لأوراق نضرة خضراء. ودون شعور جعل يقارن حالته بحال الطبيعة. إن الأمل الذي يتعلق به هو أن يخلق...
إني أكاد لا أصدق، يخيل إلي أن لا تغيير طرأ على حياتي كل شيء من حولي وكل الأصوات التي تبلغ سمعي تؤكد لي أنني لم أفارق هذه الغرفة التي أتمدد فيها الآن.. غرفة ضيقة ذات أثاث حقير، سريران يكادان يلامسان الأرض، وثياب مكدسة في إحدى الزوايا، وإلى جانبها مجمر وبراد تحيط به ثلاثة كؤوس من غير صينية.. ارفع بصري إلى السقف فأصافح العنكبوت، وقد امتدت خيوطه في كل اتجاه، والمح خنفساء تحبو على مهل كأنها في نزهة الصباح! أما الشباك الصغير فيطل على شارع السويقة، ومنه يبلغني خليط عجيب من الأصوات والروائح.....