لبيب السعيد

نظر (صادق) على صورة أخته الصبية بقلب يفيض رحمة ويسيل حباً وحنواً. أن صورتها تطالعه بنظرة يراها تشع وداعة وقدساً، وبسمة ترف له لطفاً وأنساً. وأراق على الصورة حنين روحه وضراعة فؤاده، ثم انثنى يفكر، وإن دموعه لتنحدر على خديه. . . لقد حرمته الوظيفة بيت أسرته في المنيا: البيت الذي تملؤه هذه الأخت...
كان ذلك في مطالع شبابي غب تخرجي في مدرسة التجارة، حين آثر أبي أن ينشئ لي متجراً، وكان هو وجدي وقتئذ يرعيان تجارتي الناشئة، ويقضيان معي الساعات، يوجهان العمال، ويشاركان في استقبال الحرفاء، وينيران لي في كل مناسبة طريقي الجديدة. وكنت يومئذ شديد الرغبة في النجاح، فكنت أستدفع الضجر، وأطامن من...
في صدر أيامه لم يطاوعه طموحه على الزواج من ابنة عمه؛ بداله يومئذ أنه خليق بالفرار من بيئته إلى بيئة أعلى وأقدر. ولما قيل له: بنت فلان أشهر تاجر في الحي مهذبة وجميلة، رأى أن آماله أسمى أيضاً من هذه البنت وأبيها، ورأى قدْرته أجدرَ أن تُنيله نسباً أجلً. . . وأحس أن آمال كثيرات من صبايا الحيّ...
لم يكن يرى شيئاً من هذه المناظر الجميلة المتنوعة التي يمّر بها القطار، ولم يكن يسمع شيئاً مما يدور حوله من أحاديث الناس. كان في دنيا الماضي يجوس خلالها، ويقف على بعض مشاهدها وقفات طويلة مفكرة. هو ماضي أليم، ولقد كان نجح بعد جهود مرّة في إسدال الستار عليه، وفي نسيان ما فقد فيه من آمال عزيزة قرّح...

هذا الملف

نصوص
4
آخر تحديث
أعلى