زكريا إبراهيم

شعلة متوهجة تقدح الشرر، ولهب حار تتراقص فيه النيران، وسيل جارف تتدفق منه الأمواه: تلك هي ملحمة نيتشه الفلسفية الرائعة! إنها شعر دافئ ينبض بالحياة، ولحن ثائر يزخر بالقوة، وموسيقى صاخبة تفيض بالنشوة. . . هي فلسفة حية نبعت من قلب الوجود، وسرت في دماء صاحبها حارة فائرة، ثم تدفقت على لسانه عاصفة...
كتب ديكارت إلى الأميرة اليزابيث رسالة بتاريخ أول سبتمبر سنة 1645، قال فيها: (إننا لسنا نجد فرداً واحداً لا يرغب في أن يكون سعيداً، ومع ذلك فإن عدد الذين ينالون السعادة فعلاً عدد ضئيل، لأن كثيرين من الناس لا يعرفون الوسيلة التي بها يحققون لأنفسهم السعادة). وليست سعادة الإنسان - في نظر ديكارت -...
(صفحة مهداة إلى الآنسة المهذبة (أ. م.)) في ظلال الوحدة القاسية، ومن خلال الحياة العقلية الباردة، أرسل نيتشه صيحته العالية: (إن ما تسمونه الحب، ليس إلا سلسلة من الحماقات القصيرة المتتالية. أما الزواج فهو الحماقة المستقرة الكبرى التي تجيء خاتمة لتلك الحماقات)! وليس من عجب أن يعلن نيتشه مثل هذا...
أعتقد نيتشه أنه رائد الإنسانية الأول، وظن أن أحدا قبله لم يطرق السبيل الذي طرقه؛ ولكن الرواد قبله كانوا كثيرين، وهذا السبيل الذي ضرب فيه مطروق مطروق!. فهذا الإيمان الشديد بالأرستقراطية وعبادة الذات، قد سبقه إليه لاروشيفوكو وهلفتيوس ورينان وتين وبرودون وفلوبير وغيرهم. وذلك الاعتقاد الراسخ...
من الحقائق المسلم بها أن الإنسان مضطرب إلى أن يعمل وهو إذ يعمل، ينتشر فيما حوله بتأثير أفعاله. فنحن لا نستطيع أن نتحرك، أو أن نتنفس، أو أن نحيا، أو أن نفكر، دون أن نسجل طابعنا في الخارج. ومن المشاهد أن جو الفردية هو بطبيعته محدود ضيق النطاق. فكل فعل يصدر عن الإنسان لا يلبث أن يصبح هو نفسه...
لم يقتصر نيتشه على مناهضة أصحاب النزعة العاطفية المغالية، بل لقد حاول أيضاً أن يناهض أصحاب النزعة العقلية المتطرفة؛ فحمل على (العلماء) الذين يؤمنون بالعلوم الوضعية ويرون فيها شفاء ومقنعا للفكر الإنساني، وحمل أيضاً على (الفلاسفة) الذين يؤمنون بالعقل ويعتبرونه المعيار الوحيد للحقيقة. وبين هؤلاء...
اعتقد نيتشه في نفسه أن عليه رسالة لا بد أن يبلغها للإنسانية، فلم يكن له بد من أن ينتقي لنفسه نبياً يتكلم على لسانه. وقد وضع نيتشه رسالته هذه على لسان نبيه زرادشت، فجاءت وحياً ليس له نظير في عالم الفلسفة. والواقع أن كتاب (هكذا قال زرادشت) هو طُرفة فنية رائعة لا نجد لها مثيلاً في الأدب الألماني...

هذا الملف

نصوص
7
آخر تحديث
أعلى