ماجد سليمان

يوميات نيئة ضحى الإثنين، صبيٌّ في السابعة، وصوت مشيٍ عسكريّ، يُسرع إلى أذنه، تفتح أمه درفة الباب مقدار ما ترى منه العين، لترى جماعة من الجند يحملون على أعناقهم تابوت جنديّ من زملائهم، بدى أنه من قتلى الحرب، يتبعهم صفّان من الجند بالأعلام والطبول، وكثير من الأتباع، خلفهم موسيقى جنائزية صادحة،...
عشقٌ يتطاولُ كالعمر البعيد تضخّم النور في مسار الفجر، وتحت غصنٍ شديد الاعوجاج يقطر من رأسه زيت شفّاف اللون، ثقيل اللزوجة، تجلس الكاهنة خندريس القرفصاء وهي تدفع أناملها في رأس عاشقها القتيل وتُلاحق قمل شعره يميناً و يساراً. تنحني أكثر عليه وتزجّ بالقمل في الناحيتين، تنحني أكثر حتى تتكوّر لتنزّ...
رَأَيْتُ النَّاسَ يَرْكُضُونْ كَفِئْرَانٍ مُطَارَدَةْ سَأَلْتُهُمْ: ـــ أَيُّكُمْ الـمَجنُونْ؟! .. أَيْنَ تَذْهَبُونْ؟,, أَجَابَنِي الرَّاكِضُ الأعْرَجْ: ـــ أُوْقِدَ انْقِلابٌ فِي البَلَدْ. رَأَيْتُ النَّاسَ يَرْكُضُونْ أَصْوَاتُ عَرَبَاتٍ تُشْبِهُ سُعَالَ العَجَائِزْ رَهْطٌ فِي أَزْيَاءَ...
المشهد الثالث ـــــــــــــــــــــ عُمير، نجَّار إفريقي (الوقت ضحى . عُمير يتذكر طفولته) عُمير: ماذا تصنع بهذا الخشب.؟.. النَّجار: توابيت.. عُمير: (فمه ينفرد عن ابتسامة ضامئة صفراء) ماهي التوابيت.؟.. صناديق.؟.. (يضحك النجار وهو يُلقي الألواح ويُعيد صَفّها إلى جوار بعضها) أتضحك منّي..؟...
مشهد/ ليل / آخر المدينة / أمام سورة المقبرة اللقطة 1: الصورة: الجهة الأمامية لسور المقبرة، إضاءة متوسطة بالكاد تظهر لقطع خردوات، بقربها ضوء نار، تتحرّك آلة التصوير ببطء مُبتعدة لتكشف الشكل الكامل لرجل جالس قُرب السُّور، ماضٍ في حكّ حجر في الأرض. الصوت: موسيقا رتيبة (عاطفية). اللقطة 2: الصورة...
عِنْدَمَا سَعَّرْتُ في وَادِي اللَّيْلِ نَارَ صَبْريْ أَبْصَرْتُ قُطْعَانَ السَّهَرِ تُـحِيْطُ بي جَائِعَةْ. عِنْدَمَا انْتَزَعْتُ ضِحْكَتي مِن فَكِّ العُمُرِ الذَّائِبْ تَوَرَّطْتُ بِـجُثـَّتِهَا البَارِدَةْ. عِنْدَمَا أَشْهَرْتُ حَيْرَتي في العَتْمَةْ تَخَلَّصَتْ أَيامِيَ مِنْ ثَقِيلِ...
بعد أن انقطع دبيب الأقدام الآدميّة، انسحبت من دفء فراشي كي ألـمس قبور الموتى من الأحبة، وأحيِّي الـمنازل الراقدين فيها، وأجُسّ تراب القبور، سريت حافياً ووقفت بباب المقبرة حاملاً مسبحتي الصفراء في يد، وعصاي القصيرة في يد، رأيت حفّار قبور لا همّ له إلا الحديث عن عدد الموتى الذين دفنهم، وعن الوقت...
في لَيْلِ بَنَاتِ آوى بَيْتٌ يَرِنُّ العَزَاءُ بَيْنَ حُجُرَاتِهْ الشُّرُودُ يَنْحَتُ الـمُعَزِّينَ تَـمَـاثِيْلْ شَيْخٌ في السَّبْعِينْ يَتَّكِئُ عَلَى ظِلِّ حَفِيْدِهْ يَسْأَلُهُ: ــــ خُذ الحيَاةَ وَخُذني حَامِلاتُ الجِفَانِ يُعَزِّينَ القَمَرْ يَدْلُفْنَ العَزَاءَ كَظلٍّ يُطِلُّ عَلَى عَطَشْ...
جَفْنَانِ يَرتَـجِفَانْ خِلالَ ضَوءِ الخِيَامْ يَخْطُو كَسَبْعٍ شَرِهْ يَقْفِزُ عَلَى جَمَلٍ جَلِيْلْ يَلْتَفِتُ إِلَى الوَرَاءْ وَبَرْيقٌ فِضِّيٌّ في عَيْنَيهْ الخَنَاجِرُ الـمُذَهَّبَةُ في أَحزِمَةِ الرِّجَالْ لـَمَعَتْ في العَتْمَةِ كَألْسِنَةِ الشُّهُبْ كَوَّرُوا كُفُوفَهُم الغِلاظْ...
أسكن في الطابق العلوي وعيّوش في الطابق الأرضي، في حي السليمانية الصغير، الذي تتلاصق منازل سكانه بشكل شعبي واضح في طريقة بنائه، وطرقاته الضيقة التي تنبعث منها رائحة الحميميّة الأصيلة، أغلب ساكنيه من أصول نجدية خالصة، عدا البعض من مناطق أخرى، كالحجاز وتهامة والأحساء وشمال الجزيرة، وبعض الأسر...
لخمسٍ بقينَ من ربيع الثاني من العام 1397 من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام، الموافق للعام 1977م، وضعتني أمي، عند الخامسة من فجر الخميس، بعد مخاض أذوى جسمها النحيل، وَأَماتَ قُوَّتها، وفكَّ حَلَقَةَ صبرها، وما أن وَلجتُ إلى الدنيا نديّاً، عارياً، على جسمي قطع صغار من رحلة العبور من بطن أمي الآمن...
يُحكى أنّه في ليلة من ليالي آذار، أتى نَغَمٌ من مكان في الخلف، حين أقبل عاشق إلى معشوقته، وفي يديه قدحٌ نحاسيٌّ، رآها نحيلة تلبس غلالة نومٍ شفّافة، تلاقت تمتماتهما الحذرة مع قهقهاتهما الصاخبة، عندها زَحَفَت أنامله اليمنى فوق عنقها كتيارٍ كهربائيّ، فرجاها أن تراقصه فراقصته، فشدّت ثوبها المنحسرعن...
1- وَرَقَةٌ مِن ذِكْرَيَاتِ سِكِّير حِينَ أُنْـهِي زُجَاجَتِي سَآوي إِلَى النَّوْمِ لِأَحلُمَ بِـحَانَةٍ أَمْلُكُهَا. حِينَ أُنْـهِي زُجَاجَتِي سَأَرْسُمُ عَلَى جُدْرَانِ عُمُري وُجُوهَاً مُتَعَدِّدَةُ لِلضَّيَاعْ. حِينَ أُنْـهِي زُجَاجَتِي سَأَكُونُ مِثَالَاً فَرِيدَاً فِـي عَمَلِي اللَّيْلِي...
كَبرتُ وكأنّي أدخل في تجاويف أكثف ظلمة، يحيط بي صمتها العميق وتتضاعف سماكته كل ما تآكلت أيامي، وقبل أن أبتر من الليل غصناً نديَّاً، أتين من عمق الظلام جمع من الذكريات، أوكأن قِرَبَـهُنّ، وساوين فُرشهنّ العتيقة قربي، ومضين يمشطن جدائل الأحداث والمشاهد وهنّ يُغنِّينَ بصوت متقطّعٍ مـخنوق. سألت...
الفصل السادس من رواية: عينٌ حمِئَة يَرقدُ في زاوية السجن التي انحرف عنها الضوء النحاسي الداخل من نافذة أُحكمت بحديدٍ صَدئ، سجينٌ حسبته في طريقة نومه كلباً مجدوراً، ففي كل لحظة يَحكُّ أعضاءه، وينتفض ويئن. بعد أن طُويت أسرار منتصف الليل، صحوت على صوت سُعاله، نهضت رامياً بصري إليه، رأيته وهو يُسعل...

هذا الملف

نصوص
65
آخر تحديث
أعلى