عبدالله البقالي

أصبح بوزيد من معالم " الكراج" الثابتة لزمن طويل. وهو يتخذ على الدوام مجلسا قبالة أشهر بائعة خبز في تاريخ القرية. و لا شك أن جلسته تلك قد جعلته _ من باب الأنس أم من باب الرتابة _ في حوار متقطع و دائم لتكون تلك اللحظات هي الوحيدة التي شوهد فيها بوزيد يغازل امرأة. امرأة تشبهه في كونها لم يكن لها حظ...
هو مكوك عابر للسجون الدولية. من معتقلات النازية ابتدأت رحلته معها، مارا بالسجون الفرنسية و ليلفظ إنفاسه في السجون المغربية. ما كان ممكنا إن يجد خيارا ثالثا داخل أرض أنتجت على الدوام صنفين من الرجال. الفقهاء أو المحاربين. و لأنه عاشق للحياة، فلم يكن ليختار آلا الممر المتفتح على شساعة الآفاق و...
قبل حوالي ستين سنة تقريبا، اخترقت لأول مرة الطريق الغربية للقرية ذات الغطاء الغابوي الكثيف في اتجاه الورزاغ. في شكل هروب رفقة صديق استطعت إقناعه بخوض المغامرة. و لم يكن صديقي سوى ابن جارتنا ( الياقوت) التي كانت قد ذهبت رفقة أمي إلى لمة سيدي امحمد بلحسن. و هما معا كانتا قد أخلفتا وعدهما لنا...
من كل صوب وفدوا و في برشلونة تمركزوا ليقاوموا الموت القادم من الجنوب. إعصار دوامته من غطرسة و جبروت. يصهر كل ما يصادفه في طريقه و يندفع عبر هبات هدفت لفصل الكائن عن كنهه. و تشطيب خلاصات البشرية في مسعاها للتوحد مع مثلها العليا، ليخلف الإعصار في عبوره مجرد من اختاروا العيش كرعاع و خدام الاعتاب...
قرر رجل ان يذهب رفقة باقي الرجال لأداء مناسك الحج سيرا على الأقدام، حاسما تردده الذي امتد لسنين طوال. وكان السبب دائما خوفه على ابنته الحسناء من شر زوجته الثانية التي كانت قد رزقت طفلة في منتهى البشاعة و القبح. و كان اشد ما يغيظها، الاهتمام الفائق الذي تلقاه ربيبتها من كل الناس، و في اي مكان...
أقر في البداية أني كنت - تلك اللحظة- عصي الفهم الى حد البلادة , و الا كيف ظللت أسير افكاري المسبقة التي كانت أكبر مما كان يجري أمامي؟ و لماذا لم ألحظ تلك السيول التي عمقت مجاريها على ذلك الوجه الصغير ؟ و أي صملاخ سميك ذاك الذي أغلق مسامعي و حال بينها و بين أنين تلك الصغيرة ؟ قلت بغباوة من...
قرأت مرة في عمل روائي لسجين يحكي كيف كان يتدبر الزمن داخل زنزانته. و كيف كان يشغل تفكيره كي يظل داخل المنطق و التعقل. و هو من أجل ذلك، لم يكن يتوقف للحظة عن قياس مختلف الأبعاد لزنزانته. معتمدا في كل مرة وحدة قياس مختلفة، كراحة يده أو باطن قدمه أو أنامله و أظافره... و يعمد إلى اختبار ذاكرته...
لكل من يناضل ضد مرض السرطان اهدي هذا النص أكان قدرها سينحو بشكل مختلف لو أنها كتبت جملتها الاخيرة بضمون مغاير؟ و هل كان الغلاف الاخضر لدفترها و المكسر لإيقاع اللون الوردي الذي اختاره كل الاطفال تميزا اعتمده الموت إشارة للتعرف عليها؟ ثم من أين لهذا الإبهام المتمرد على التفسيرات كل هذه القدرة...
الكبار هم العارفون. و ما يقولونه هو الحقيقة. تلك كانت مسلمات ما اعتقدت للحظة أنها يمكن ان تصبح محل مساءلة. و من ثم تبنيت كل ما افضت لي به جدتي. مستنتجا ان الانقسام و التضارب في الافكار و المعتقدات ليست سمة إنسانية صرفة. بل و تشمل حتى الحيوانات و الحشرات أيضا. و ان النمل على سبيل المثال، فيه...
كان سليل مجتمع الحكايات. مع حليب أمه رضعها. و مع جدته تنفسها. و في عالمه الصغير عاش ليسمع و يتعلم كيف يلتقط من غير مجهر الأحاسيس و هي تتحول نقوشا تختزن الإشارات. و تتحول الى منار يهدي السفن إلى المرافئ الآمنة. ربما لهذا السبب لم يشكل له ضعف بصره عائقا كي يسلك درب الحكاية. فما خزنته جمجمته من...
في منتصف الستينيات ظهرت " فاطما و شامة " في أزقة غفساي، و كأنهما نزلتا من الفضاء. إذ لا أحد استطاع أن يتعرف على هويتهما، و لا الصدف التي يمكن أن تكون قد قذفت بهما إلى حيث ظهرتا. كانتا في منتصف العشرينات. جمال أخاذ و أنوثة مكتملة. و من الوهلة الأولى فقد بدا التباين واضحا بينهما. فبالقدر الذي بدت...
وهو يقطع ذلك الطريق الجبلي الوعر في تلك الظلمة الدامسة، كان يلعن كل التاريخ الذي عاشه. وقواه المشحونة بالنقمة و الغضب، كانت تفتح خطواته لأقاصيها لتمر الأرض تحت رجليه سراعا لحد كان يتساءل معه ما إن كان حقا يمشي أم يطير. ما كان ممكنا في ذلك الليل الشتوي ان يسمع غير صفير الريح وهو يتحدى نفسه باحثا...
يكسب نصف جولة و ينجح في اجتياز الإمتحان الكتابي، في انتظار أن يخسر الجولة بكاملها. في كل السباقات التي خاضها، كان دائما ذلك المتسابق الدؤوب. لكنه بعد أن يقطع عشرات الأميال، كان يفاجأ دوما بأن الإشارات مصرة على مغالطته. كل الشواهد التي نالها وجدها لا تصلح سوى لتغطية الثقوب و التصدعات التي تشكو...
لا علاقة للإسم باللآلئ و الأحجار الكريمة. و إنما القصد هو سيدة من القرية تدعى بهذا الإسم. فأي شخص في القرية حتى و إن كان لا يعرفها، لا يد و أن يكون قد رأى هذه السيدة وهي تفد في الصباح الباكر من أقصى الجهة الغربية للقرية. و قد كانت في الغالب تضع على رأسها شيئا ما قد يكون قفة أو غيرها. و تلف...
- لا ... لا تصدقه ايها الطبيب ، انه يمثل .. يبحث بأية وسيلة عن فسحة. رفع الطبيب رأسه و نظر الى الحارس وقال : - فعلا انه في طريقه الى فسحة ، لكنها أوسع بكثير مما تعتقده . تسمر الحارس في مكانه وقال : - أتعني أنه .....؟ - نعم . لكن كم قضى هـذا السجين هنا ؟ - ستة وعشرين يوما . - فقط ؟ - انه...

هذا الملف

نصوص
184
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى